الاثنين، 17 فبراير 2020

عِلم القراءات


القراءات[1]
 القراءات: جمع قراءة، وهي عبارة عن اختلاف الكيفيات في تلاوة اللفظ القرآني.
والقِرَاءَةُ: ويريدون بها الاختيار المنسوب لإمام من الأئمة العشرة بكيفية القراءة للَّفظ القرآني على ما تلقَّاه مشافهة متصلا سنده برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيقولون مثلا: قراءة عاصم، قراءة نافع وهكذا.
والرِّوَايَةُ: ويريدون بها ما نسب لمن روى عن إمام من الأئمة العشرة من كيفية قراءته للَّفظ القرآني، وبيان ذلك أن لكلٍ من أئمة القراءة راويين، اختار كل منها رواية عن ذلك الإمام في إطار قراءته، قد عرف بها ذلك الراوي ونسبت إليه فيقال مثلا: رواية حفص عن عاصم، رواية ورش عن نافع، وهكذا.
والطَّرِيقُ: وهو ما نسب للناقل عن الراوي وإن سَفَلَ كما يقولون: هذه رواية ورش من طريق الأزرق.
* * *
ولا تصحّ القراءة إلّا إذا حقّقت شروطا ثلاثة:
الأوّل: موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية ولو ضعيفًا كقراءة ابن عامر في سورة الأنعام في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} ببناء الفعل "زُيِّن" للمجهول، ورفع "قتلُ" على أنه نائب فاعل، ونصب "أولادهم" مفعول للمصدر، وجر "شركائِهم" مضافًا إلى المصدر.
ولقد ثبت أن "شركائهم" مرسوم بالياء في المصحف الذي بعثه الخليفة عثمان -رضي الله عنه- إلى الشام.
الثّاني: موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا أو تقديرًا كما في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فقراءة حذف الألف تحتمل اللفظ تحقيقًا، وقراءة إثبات الألف تحتمله تقديرًا، وتكون القراءة ثابتة في بعض المصاحف العثمانية دون بعض مثل قوله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} في الموضع الأخير من سورة التوبة بزيادة لفظ "مِنْ" لثبوته في المصحف المكي دون غيره من المصاحف.
الثّالث: صحة سندها بتواتر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد ثبت عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قوله: "القراءة سنة متبعة".
واعلم أن اختلاف القراءات من باب اختلاف التّنوّع، لا من اختلاف التّضادّ، وحيث تصحّ القراءة، كقراءات القرّاء السّبعة؛ فإنّ لها من المعاني شيئا عظيم الأثر، توقن معه نفس العارف أنّ هذا القرآن بجميع وجوه قراءاته من عند الله، فمن أبرز تلك الفوائد:
1 - التّخفيف على الأمّة ورفع الحرج عنها بالقراءة على الوجه المتيسّر لها خاصّة ما يتّصل بأحكام مخارج الحروف وصفاتها ونحو ذلك.
2 - الإبانة عن الإعجاز بتنوّع وجوه التّلاوة، فإنّ الاختلاف في الحرف ربّما دلّ على معان من العلم لا توجد في الحرف الآخر، فتكون الكلمة الواحدة تؤدّى على صورتين أو أكثر من النّطق تدلّ كلّ صورة منها على معنى غير الّذي دلّت عليه الأخرى.
3 - تفسير الإجمال في قراءة أخرى.
* * *
وأئمّة القراءة السبعة المشهورون، هم:
1 - إمام أهل المدينة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني.
قرأ على سبعين من التّابعين، وأقرأ أكثر من سبعين سنة، وكان حجّة في القراءة.
وكان جماعة من الكبار يستحبّون قراءته:
فعن مالك بن أنس، قال: «قراءة نافع سُنّة».
وسأل عبد الله بن أحمد بن حنبل أباه: أيّ القراءتين أحبّ إليك؟ قال: «قراءة أهل المدينة».
اشتهر بنقل قراءته تلميذاه:
1 - ورش، واسمه: عثمان بن سعيد القبطيّ المصريّ.
2 - إمام أهل مكة عبد الله بن كثير بن عمرو الداري.

2-إمام أهل مكة عبد الله بن كثير بن عمرو الداري.
كان بصيراً بالعربيّة فصيحاً، حجّة في القراءة، ثقة في الحديث، وكان الشّافعيّ يختارُ قراءته.
اشتهر بنقل قراءته:
1 - البزّيّ، واسمه: أحمد بن محمّد بن عبد الله المكّيّ.
2 - قنبل، واسمه: محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد المخزوميّ.

3 - إمام أهل البصرة أبو عمرو بن العلاء المازني.
وقد قال شعبة بن الحجّاج لتلميذه عليّ بن نصر الجهضميّ: «انظر ما يقرأ به أبو عمرو ممّا يختار لنفسه، فإنّه سيصير للنّاس إسنادا».
فقال ابن الجزريّ (ت833هـ): «وقد صحّ ما قاله شعبة -رحمه الله- فالقراءة الّتي عليها النّاس اليوم بالشّام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدا يلقّن القرآن إلّا على حرفه، ... ولقد كانت الشّام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمس مائة فتركوا ذلك، ... وأنا أعدّ ذلك من كرامات شعبة».
اشتهر بنقل قراءته:
1 - الدّوريّ: أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز البغداديّ.
2 - السّوسيّ: أبو شعيب صالح بن زياد.

4 - إمام أهل الشام عبد الله بن عامر اليحصبي.
من أئمّة التّابعين، كان إمام الجامع بدمشق، حجّة في القراءة، ثقة في الحديث، وكانت قراءته قراءة أهل الشّام في القرون الأولى.
اشتهر بنقل قراءته:
1 - هشام بن عمّار أبو الوليد السّلميّ.
2 - ابن ذكوان، واسمه: عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان البهرانيّ.

5 - إمام أهل الكوفة عاصم بن بهدلة ابن أبي النّجود الأسدي.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرّحمن السّلميّ، وكان فصيحا متقنا، ومن أحسن النّاس صوتا بالقرآن، صدوقا في الحديث.
قال أبو إسحاق السّبيعيّ (وكان فصيحا لا يلحن): «ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النّجود، ما أستثني أحدا من أصحاب عبد الله» يعني: لا يقول إنّ أحدا من أصحاب ابن مسعود كان أقرأ للقرآن منه.
كان أحمد بن حنبل يرى قراءته في التّرتيب بعد قراءة نافع، فحين سأله ابنه عبد الله: أيّ القراءتين أحبّ إليك؟ قال: «قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن فعاصم».
اشتهر بنقل قراءته تلميذاه:
1 - أبو بكر بن عيّاش الأسديّ الكوفيّ، قيل: اسمه شعبة. توفّي سنة (193 هـ).
كان ثبتا حجّة في القراءة، ثقة صدوقا في الحديث، وكان الإمام أحمد بن حنبل يفضّل روايته عن عاصم على رواية حفص.
2 - حفص بن سليمان الأسديّ الكوفيّ. توفّي سنة (180 هـ).
كان حجّة في القراءة، ليس بشيء في الحديث.
قال الذّهبيّ: «أمّا في القراءة فثقة ثبت ضابط لها، بخلاف حاله في الحديث».
وعلى رواية حفص اليوم أكثر مصاحف المسلمين وقراءتهم.

6 - إمام أهل الكوفة حمزة بن حبيب الزيات.
من أئمّة القراءة والفرائض والعربيّة بالكوفة، مع الدّين والصّلاح والعبادة والثّقة.
كان يقول: «ما قرأت حرفا قطّ إلّا بأثر».
وكان سفيان الثّوريّ قد عرض القرآن على حمزة أربع عَرَضات.
اشتهر بنقل قراءته:
1 - خلف بن هشام أبو محمّد البزّار.
2 - خلّاد بن خالد الشّيبانيّ الكوفيّ.

7-إمام أهل الكوفة علي بن حمزة الكسائي.
كان أحد أركان العربيّة والقراءة.
قال أبو عبيد: «كان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته، ولم نجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه».
اشتهر بنقل قراءته تلميذاه:
1 - أبو الحارث اللّيث بن خالد البغداديّ.
2 - الدّوريّ: أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز البغداديّ.


[1] مستفاد من كتاب "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" لعبد الله بن يوسف الجديع. وكتاب "غاية المريد في علم التجويد" لعطية قابل نصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق