الاثنين، 10 فبراير 2020

ديار الـمُعذَّبين


ديار الـمُعذَّبين[1]

ديار الـمُعذَّبين: هي تلك الديار التي عُذِّبَ فيها قومٌ كذبوا رُسُلَهم، كأرض بابل، وديار ثمود، وقوم صالح، وغيرها.
ويحرم -على الراجح- الدخول إلى تلك المواضع إلا لحاجة، وإذا دخل الإنسان شيئا منها فعلى الصفة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتبار والخوف والإسراع، قال صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ" متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعَمِلَ بذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه، مع أن الأصل في النهي التحريم والفساد، لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه، لا سيما والنهي هنا كان مؤكداً"[2].
قال ابن حجر: "قوله (إلا أن تكونوا باكين) ليس المراد الاقتصار في ذلك ابتداء الدخول، بل دائماً عند كل جزء من الدخول".
وهذا تحذير لهم أنَّهم لو دَخَلوها على غيرِ هذِه الصِّفَةِ فإنَّ الله تعالى قد يُصِيبُهم بِمِثْلِ ما أصابَهم مِن العذابِ؛ لأنَّ الداخِلَ دارَ قومٍ أُهْلِكوا بِخَسْفٍ أو عَذَابٍ إذا لم يَكُنْ باكيًا- إمَّا شَفَقَةً عليهم وإمَّا خوفًا مِن حُلولِ مِثْلِها به- كان قَاسِيَ القلبِ قليلَ الخشوعِ، فلا يَأْمَنُ إذا كان هكذا أنْ يُصِيبَه ما أصابهم.
وفي الحديثِ: التَّفكُّرُ في أحوالِ مَن أهلَكَهم اللهُ تعالى، والحَذَرُ ممَّا وقَعوا فيه؛ والحذرُ مِن الغَفلةِ عن تدبُّرِ الآياتِ؛ لأنَّ مَن رأَى ما حلَّ بالعُصاةِ ولم يتنبهْ بذلك مِن غَفلتِه، ولم يتفكَّر في حالِهم، ويَعتبِرْ بهم؛ فإنَّه يُخشَى حُلولُ العقوبة به؛ فإنَّها إنَّما حلَّتْ بالعُصاةِ لغَفلتِهم عن التدبُّرِ، وإهمالِهم اليقظةَ والتذكُّر[3].
ويمنع الانتفاع بماء آبار هذه الديار، فعن ابنِ عمرَ قال نزل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالناس عامَ تبوكَ الحِجرَ عند بيوتِ ثمودَ (قوم صالح)، فاستقى الناسُ من الآبارِ التي كانت تشربُ منها ثمودُ، فعجَنوا ونصبُوا القدورَ باللحم، فأمرهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأَهرِقوا القدورَ واعلفوا العجينَ الإبلَ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئرِ التي كانت تشربُ منها الناقةُ (ناقة صالح)، ونهاهم أن يدخلوا على القومِ الذين عُذِّبوا فقال: "إني أخشى أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابهم فلا تدخُلوا عليهم"[4].
ويكره التيمم بتراب تلك الديار عند الجمهور، وروي أن علياً رضي الله عنه كره الصلاة بأرض خسف بابل، وذهب ابن العربي من المالكية وبعض العلماء إلى عدم صحة الصلاة فيها، والجمهور على صحة الصلاة فيها، لكن مع الكراهة.
ومن تلك المواقع[5]:
1 – موقع قوم عاد في منطقة الأحقاف بين الربع الخالي وحضرموت كما قال تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ) (الأحقاف: من الآية21)، وقد حكى الله ما حل بهم من العذاب في قوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (الأحقاف:24، 25).
2 – موقع قوم ثمود ويعرف اليوم بمدائن صالح تبعد عن العلا 15 كلم شمالاً وقد حكى الله ما حل بهم من العذاب في قوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل:51، 52).
3 – موقع قوم لوط وفيه قال عز وجل: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (هود:82).
4 – موقع قوم مدين بالقرب من تبوك وفيه قال سبحانه: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الشعراء:189).
5 – موقع أهل بابل جنوب مدينة بغداد في العراق وفيه قال سبحانه: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (النحل: من الآية26).
6 – مساكن قوم سبأ في اليمن على بعد 192كم من صنعاء بالقرب من السد وفيهم قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سـبأ:15، 16).
وبناء على ما تقدم: فكل ما كان وقع عليه عذاب الله وسخطه وعقوبته لا يجوز دخوله إلا على الكيفية المذكورة في الحديث للعلة الجامعة بينه وبين ما ورد النص بشأنه كما تقدم،
ويجوز دخولها – بالصفة المشروطة – للتفكر والاعتبار أو التعليم والتوثيق أو الوعظ والدعوة للإسلام ونحو ذلك من المصالح الراجحة.




[1] انظر: الدعوة إلى الله تعالى في المواقع السياحية، علي الأحمد.
[2] شرح العمدة 2/510
[3] الشرح من موقع الدرر السنية.
[4] أخرجه الإمام أحمد (5984) قال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[5] انظر: http://almoslim.net/node/84008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق