الأربعاء، 12 فبراير 2020

شرح البيقونية (11) الحديث العزيز والمشهور


الحديث العزيز والمشهور
12 - عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَةْ ... مَشْهُورُ مَرْوِي فوْقَ مَا ثَلاثةْ
الحديث العزيز هو: الحديث الذي في أحد طبقاته يرويه راويان على الأقل.
يعني: ألا يوجد في طبقة من طبقات السند أقل من اثنين؛ أما إن وجد في بعض طبقات السند ثلاثة فأكثر فلا يضر، بشرط أن تبقى ولو طبقة واحدة فيها اثنان؛ لأن العبرة لأقل طبقة من طبقات السند[1].
وليس المقصود هو أن يرويه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى منتهى السند، فإن هذا كما قال ابن حبان: "لا يوجد حديث بمثل هذه الصفة"[2].
قوله: "عزيز مروي اثنين أو ثلاثة"، لعله يقصد بذلك أنه إذا وُجد في بعض الطبقات اثنان، فلا بأس أن يوجد في طبقة أخرى أكثر من اثنين، كثلاثة مثلا، وهذا كما تقدم.
أما إذا كان يقصد أن رواية الثلاثة، يُسمى حديثهم عزيزا، فقد قال الشيخ سعد الحميد: "لا أعلم أحدا من أهل الحديث قال به"[3].
مثاله: ما رواه الشيخان من حديث أنس، والبخاري من حديث أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ".
ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد، ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث، ورواه عن كلٍّ جماعة.

وقد يكون الحديث "العزيز" صحيحاً وقد يكون حسناً وقد يكون ضعيفاً، حسب توفر شروط الصحة وعدمها كما تقدم.
ولم يصنف العلماء مصنفات خاصة بالحديث العزيز، والظاهر أن ذلك لقلته، ولعدم حصول فائدة مهمة من تلك المصنفات[4].
* * *
والحديث المشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر -في كل طبقة- ما يبلغ حد التواتر[5].
وسمي المشهورُ مشهوراً: لأن رواية الثلاثة فأكثر، جعلت الحديث يشتهر عند أهل الحديث.
مثاله: حديث "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ" متفق عليه.
أما "الحديث المستفيض" فقيل: هو أخص منه؛ لأنه يشترط في المستفيض أن يستوي طرفا إسناده، ولا يشترط ذلك في المشهور.
وقيل هما بمعنى واحد.
وقد يُطلق المشهور على غير ما سبق تعريفه، ويريدون به ما اشتهر على الألسنة من غير شروط تعتبر؛ فيشمل: ما له إسناد واحد، وما له أكثر من إسناد، وما لا يوجد له إسناد أصلاً.
وله أنواع كثيرة، أشهرها:
أ- مشهور بين أهل الحديث خاصة: ومثاله: حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رِعْل وذَكْوان. متفق عليه
ب- مشهور بين أهل الحديث، والعلماء، والعوام: مثاله: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده" متفق عليه.
ج- مشهور بين الفقهاء: مثاله: حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
د- مشهور بين الأصوليين: مثاله: حديث: "رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه" صححه ابن حبان، والحاكم.
هـ- مشهور بين النُّحَاة: مثاله: حديث: "نِعْمَ العبدُ صهيبٌ، لو لم يخفِ اللهَ لم يعصِهِ" لا أصل له.
و- ومشهور بين العامة: مثاله: حديث "العَجَلَةُ من الشيطان" أخرجه الترمذي وحسنه.

والمشهور الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحًا أو غير صحيح ابتداء، لكن بعد البحث يتبين أن منه الصحيح، ومنه الحسن، ومنه الضعيف، ومنه الموضوع أيضا، لكن إن صح المشهور الاصطلاحي، فتكون له ميزة ترجحه على العزيز والغريب.
ولم يؤلف العلماء كتبا في جمع الأحاديث المشهورة اصطلاحا.
أما الأحاديث المشهورة على الألسنة فألف العلماء فيها المصنفات، منها:
أ- المقاصد الحسنة، فيما اشتهر على الألسنة، للسخاوي.
ب- كشف الخفاء، ومزيل الإلباس، فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس، للعجلوني.
ج- تمييز الطيب من الخبيث، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث، لابن الدَّيْبَع الشيباني.



[1] تيسير مصطلح الحديث للطحان ص35
[2] شرح الشيخ سعد الحميد للبيقونية ص9 (الشاملة).
[3] والظاهر أنه يقصد المعنى الثاني، لأنه قال بعدها: " مشهور مروي فوقما ثلاثه "، المصدر السابق.
[4] تيسير مصطلح الحديث ص36
[5] المتواتر هو الحديث أو الخبر الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده رواة كثيرون، يحكم العقل عادة باستحالة أن يكون أولئك الرواة قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر.
يتبين من شرح التعريف أن التواتر لا يتحقق في الخبر إلا بشروط أربعة وهي:
أ- أن يرويه عدد كثير، وقد اختلف في أقل الكثرة على أقوالٍ، المختار أنه عشرة أشخاص.
ب- أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
ج- أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب2.
د- أن يكون مستند خبرهم الحس؛ كقولهم: سمعنا، أو رأينا، أو لمسنا، أو ... أما إن كان مستند خبرهم العقل، كالقول بحدوث العالم مثلا، فلا يسمى الخبر حينئذ متواترا.
حُكْمُهُ:
المتواتر يفيد العلم الضروري، أي العلم اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقا جازما، كمن يشاهد الأمر بنفسه؛ فإنه لا يتردد في تصديقه، فكذلك الخبر المتواتر، لذلك كان المتواتر كله مقبولا، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته.
تيسير مصطلح الحديث ص25.
قال السيوطي:
فَالمُتَوَاتِرُ، وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ، وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ
وَالْقَوْلُ بِاثْنَيْ عَشَرَ اْوْ عِشْرِينَا ... يُحُكَى وَأَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق