الاثنين، 1 نوفمبر 2021

الهالوين Halloween

 

عَشِيَّةُ عِيدِ القدِّيسين

(أو: الهالوين Halloween)

معلوم لدى الناس أن لكل شَعْبٍ أو دِيانةٍ عيداً خاصاً بهم، هو بمثابة هوية لهم يحيون ذكراها سنةً بعد سنة، ويؤكدون من خلال عيدهم الثبات على المبادئ والقيم المشتركة بينهم، يتوارث ذلك الأبناء عن الآباء والأجيال عن الأجيال.

ولا يكاد صيت الأعياد يتجاوز حدود رقعة أتباعه الجغرافية، ولا كتبهم التاريخية، ولا يتطفل عليهم إلا الباحثون والمثقفون بقدرٍ قليل.

ولكن بعد الانفتاح الحاصل في أيام زماننا، والثورة التقنية التي قربت البعيد، ولَيَّنتِ الشديد، وسمحت للعدو باستخدام نوع من الحرب جديد، واختلط الحابل بالنابل، وامتزجت الثقافات، وتحرفت الديانات، آملين توحيد المعمورة ثقافياً وفكرياً وعقدياً .. بعد كل ما سبق صرنا نسمع بأعياد جديد لم يعرفها آباؤنا، بل لم نعرفها نحن قبل سنوات معدودة.

ومن تلكم الأعياد عيد (الهالوين Halloween)، وما أدراك ما الهالوين !

* * *

الهالوين أو عشيَّة عيد القديسين: مهرجان يقام في بعض البلدان الغربية في (31 أكتوبر) من كل عام ويعرف لدى الكثيرين بـ "الهالاوين".

يمارس من خلالها "السلتيين"[1] القدماء بعض العادات والطقوس الوثنية؛ كإشعال النيران وتقديم القرابين. وقد ظلت بعض الطقوس "السلتية" تُمارس حتى بعد تحول الناس إلى النصرانية.

فقامت الكنيسة في القرن التاسع الميلادي بإيجاد عيد القديسين لكي يُحتفل به في الأول من نوفمبر، فأدخل الناسُ الطقوسَ الوثنية القديمة ضمن احتفالات هذا العيد النصراني.

وتجري خلال هذا اليوم أيضاً بعض الممارسات، مثل: العِرافة والكهانة وقراءة الحظ ورواية القصص حول الأشباح والسحرة… إلخ، وهي عادة ظهرت في الولايات المتحدة وانتشرت في إنجلترا وفي بلدان أخرى.

ويلبس الناس في ذلك اليوم أزياء تنكرية "مرعبة" غالباً، ويُشعلون مصابيح تسمى فوانيس جاك[2] المحفورة بداخل حبة اليقطين[3].

وذلك -حسب معتقداتهم- أن "سامان" وهو إله الموت العظيم، يدعوا جميع الأرواح الملعونة التي ماتت خلال العام بأن تمضي حياتها في أجساد الحيوانات بالنزول إلى الأرض والتجول فيها.

فيقوم السذج بإشعال نارٍ كبيرة لإخافتها وإبعاد تلك الأرواح.

وكذلك من أسباب لبسهم تلك الألبسة الغريبة التي يرتديها الجميع في هذا العيد، -كما تقول معتقداتهم- أن في ليلة العيد تعود كل الأرواح من عالم البرزخ إلى الأرض، وتبقى فيها حتى طلوع الفجر، فحتى لا يتم التعرف عليهم من قبل الأرواح الشريرة يلبسون تلك الملابس التنكرية !

وتنتشر السرقات الخفيفة في العيد كالقطع الخشبيّة والأبواب وغيرها ، ليعتقد الناس بأن الأرواح الشريرة تنتشر في المكان وقد قامت بسرقتها !

ويـُحتفل به الآن في عدة بلدانٍ غربيّة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وإيرلندا في ال 31 من تشرين الأول من كل عام.

* * *

من خلال هذا العرض الموجز يتضح لنا أن عيدَ الهالوين عيدٌ قديم من أُمم وثنية وتاريخ نصراني مُحرَّف، ونحن منهيون عن مشاركة الكفار أعيادهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال المفسِّر الربيع بن أنس: الزور هو: أعياد المشركين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم" أخرجه أبو داود.

ولا يخفاك درجة التشبه الكبير في هذا العيد الذي يصل عند بعض المسلمين إلى درجة المطابقة -والله المستعان-.

وقد أصَّل المصطفى عليه الصلاة والسلام أصلاً في الأعياد؛ وهو أن المشروع في ديننا عيدانِ في السنة؛ عيد الأضحى وعيد الفطر، ويوم الجمعة وهو عيد الأسبوع.

فعن أنسٍ بن مالك قالَ : قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ: "ما هذانِ اليومانِ" قالوا: كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ".

انتبه لكلمتي: نلعب، وأبدلكم !!

فلا عذر لأحد أن يلعب في أعياد الكفار ولو متجرداً عن الاعتقاد.

كذلك قوله "أبدلكم" يدل على أن الأعياد في ديننا مرفوضة سوى ما شرعه الله لنا.

وعند ابن ماجه في السنن أنه عليه الصلاة والسلام قال عن يوم الجمعة: "إنَّ هذا يومُ عيدٍ ، جعلَهُ اللَّهُ للمسلمينَ ، فمن جاءَ إلى الجمعةِ فليغتسل ، وإن كانَ طِيبٌ فليمسَّ منْهُ ، وعليْكم بالسِّواك".


هذا في مجرد المشاركة في الأعياد، فكيف والهالوين قد تضمن العديد من المحظورات والخرافات؟؟ منها:

تقديم القرابين لغير الله عز وجل[4]، ممارسة الكهانة والعرافة وقراءة الحظ[5]، وقراءة القصص حول الأشباح، والسحر[6]، وتناسخ الأرواح ؟!!

ظلمات بعضها فوق بعض -نسأل الله العافية-.

 * * *

لماذا إذاً يحفل المسلمون بعد كل هذا ؟

المسلمون -المحتفلون- إما جاهلون أو متجاهلون؛ قد غرتهم الثقافة الغربية.

أما الجاهل فينبغي عليه أن يرفع الجهل عن نفسه بمعرفته مبادئ عقيدته، ولزوم أهل العلم والخير حتى يتفقه في دينه ولا يقع مصيدةً لأولئك الملاحدة والكفرة، فإن قصَّر فلا عذر له.

وأما المغترون بالثقافة الغربية فإني أنظر إليهم بنظرة العطف والحسرة؛ كيف استبدلوا الرخيص بالنفيس، وباعوا الفطرة السليمة واشتروا المعتقد الخسيس؟

أما سمعوا تحذير الله عز وجل لما قال: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

أما علموا أنهم بصنيعهم هذا لن يرضوا الكفرة ولن يحبوهم!

كما قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}

فلن يقبلوا منكم قربانا ولا صرفاً ولا عدلاً إلا إذا كفرتم ككفرهم، كما أخبرنا الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.

فنسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، وأن يبصِّرَنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ويحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين.

 

والله المستعان وعليه التُّكلان

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

 

 

 



[1] هم مجموعة قبائل وثنية كانت منتشرة في أوربا.

[2] وتقول إحدى الأساطير الأيرلندية: إن تسمية المصباح أو فانوس جاك جاءت من اسم شخص اسمه جاك، كان قد حُرم من دخول الجنة بسبب بخله، كما أنه لا يدخل النار لأنه كان يخدع الشيطان. وهكذا كان عليه أن يهيم على وجهه في الأرض حاملاً مصباحه بيده إلى يوم القيامة.

[3] انظر: الموسوعة العربية العالمية: (عشية عيد القديسين).

[4] أما تقديم القرابين لغير الله عز وجل فشِركٌ أكبر يُخرج من الملة، إذا فعلته أو رضيت به (ولو لم تفعله)؛ قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} فمن جعله لغير الله فقد أشرك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله" واللعن الطرد والإبعاد عن الرحمة -والعياذ بالله-.

[5] وأما الكهانة والعرافة وقراءة الحظ فهي ادعاء ما سيحصل في المستقبل، أو العثور على الأشياء الضائعة؛ وهذا كله كفر وشرك؛ قال الله تعالى: {قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ‌ٱلۡغَيۡبَ ‌إِلَّا ‌ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يَقولُ فقدْ كفرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ"

[6] قال تعالى في شأن السحر: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر ..." الحديث، أخرجه مسلم.