الجمعة، 28 فبراير 2020

الحالة الدينية للعرب قبل الإسلام


الحالة الدينية للعرب قبل الإسلام*

ابتليت الأمة العربية بتخلف ديني شديد، ووثنية سخيفة لا مثيل لها، وانحرافات خلقية، واجتماعية وفوضى سياسية، وتشريعية ومن ثم قل شانهم وصاروا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية أو الرومانية وقد امتلأت قلوبهم بتعظيم تراث الآباء والأجداد واتباع ما كانوا عليه مهما يكن فيه من الزيغ والانحراف والضلال ومن ثم عبدو الاصنام، فكان لكل قبيلة صنم.
فكان لهذيل بن مدركة "سواع"، ولكلب "ود"، ولمذحج "يغوث"، ولخيوان "يعوق"، ولحمير "نَسْر"، وكانت خزاعة وقريش تعبد "إساف" و"نائلة"، وكانت "مناة" على ساحل البحر، تعظمها العرب كافة والأوس والخزرج خاصة، وكانت "اللات" في ثقيف وكانت "العزى" فوق ذات عرق، وكانت أعظم الأصنام عند قريش.
وإلى جانب هذه الأصنام الرئيسية يوجد عدد لا يحصى كثرة من الأصنام الصغيرة والتي يسهل نقلها في أسفارهم ووضعها في بيوتهم.
روى البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي قال: (كانا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً آخر هو أخير ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً جمعنا جَثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به!!!).
وقد حالت هذه الوثنية السخيفة بين العرب ومعرفة الله وتعظيمه وتوقيره والإيمان به، وباليوم الآخر وإن زعموا أنها لا تعدو أن تكون وسائط بينهم وبين الله وقد هيمنت هذه الآلهة المزعومة على قلوبهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وجميع جوانب حياتهم وضعف توقير الله في نفوسهم قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (سورة الانعام، الآية:136).
أما البقية الباقية من دين ابراهيم عليه السلام فقد أصابها التحريف، والتغيير والتبديل، فصار الحج موسماً للمفاخرة والمنافرة، والمباهاة وانحرفت بقايا المعتقدات الحنفية عن حقيقتها وألصق بها من الخرافات والأساطير الشيء الكثير.
وكان يوجد بعض الأفراد من الحنفاء الذين يرفضون عبادة الأصنام وما يتعلق بها من الأحكام والنحائر وغيرها، ومن هؤلاء زيد بن عمرو بن نفيل، وكان لا يذبح للأنصاب، ولا يأكل الميتة والدم.
وممن كان يدين بشريعة إبراهيم، وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، قس بن ساعدة الإيادي: فقد كان خطيباً، حكيماً، عاقلاً، له نباهة، وفضل، وكان يدعوا الى توحيد الله، وعبادته، وترك عبادة الأوثان، كما كان يؤمن بالبعث بعد الموت، وقد بشر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: (إن قسى بن ساعدة كان يخطب قومه في سوق (عكاظ) فقال في خطبته: سيعلم حق من هذا الوجه -وأشار بيده الى مكة- قالوا: وما هذا الحق؟ قال: رجل من ولد لؤيّ بن غالب يدعوكم الى كلمة الإخلاص، وعيش الأبد، ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، ولو علمت أني أعيش الى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه) وقد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات قبل البعثة.
كان بعض العرب قد تنصر وبعضهم دخل في اليهودية أما الأغلبية فكانت تعبد الأوثان والأصنام.
*"السيرة النبوية" للدكتور علي الصلابي ص24-27

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

شرح البيقونية (13) الـمُبهَم

الـمُبهَم

13-........................... وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ


الحديث المبهم:
لغةً: المبهمات جمع "مبهم"، وهو اسم مفعول من "الإبهام" ضد الإيضاح.
اصطلاحًا: هو من أُبْهِمَ اسمه في المتن، أو الإسناد من الرواة.
مثال ما أُبهم في المتن:
ما أخرجه الخطيب البغدادي[1] بإسناده عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةُ من الشيطان، فإذا رَأَيْتَ رُؤْيَا تَكْرَهُهَا فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثَ تَفْلاتٍ فَإِنَّهَا لا تَضُرُّكَ"[2].
قال الخطيب هَذَا الرَّجُلُ هُوَ: أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ.
ومن فوائد تبيين الأسماء المبهمة في المتن: تحقيق الشيء على ما هو عليه، فإن النفس متشوقة إليه، وأن يكون في الحديث منقبة له فيستفاد بمعرفة فضيلته، وأن يشتمل على نسبة فعل غير مناسب إليه، فيحصل بتعيينه السلامة من جولان الظن في غيره من أفاضل الصحابة، وخصوصا إذا كان ذلك من المنافقين، وأن يكون سائلا عن حكم عارضه حديث آخر، فيستفاد بمعرفته هل هو ناسخ، أو منسوخ إن عرف زمن إسلامه.
ومثال ما أُبهِمَ في الإسناد:
ما أخرجه الترمذي قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْهَدَ الجُمُعَةَ مِنْ قُبَاءَ"[3].
ومن فوائد تبيين الأسماء المبهمة في الإسناد أن معرفة المبهَم تفيد ثقته، أو ضعفه، ليحكم للحديث بالصحة أو غيرها.

وطريقة معرفة المبهم بأحد أمرين:
إما بوروده مسمًّى في بعض الروايات الأخرى، وإما بتنصيص أهل السِّيَر عليه.

صنف في هذا النوع عدد من العلماء، منهم:
عبد الغني بن سعيد، واسم كتابه "الغوامض والمبهمات في الحديث النبوي"
والخطيب البغدادي، واسم كتابه "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة"
وأحسنها وأجمعها كتاب "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لولي الدين العراقي.



[1] الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة 5/344
[2] وأخرجه البخاري (7044)، ومسلم (2261) بنحوه.
[3] قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَلاَ يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ.