الأحد، 2 فبراير 2020

شرح البيقونية (7) المرفوع والمقطوع


المرفوع والمقطوع
7 - وَمَا أُضيفَ لَلنَّبِي المَرْفُوعُ ... وَمَا لِتَابِعٍ هو المقطوع
المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ.
وسُمي بالمرفوع لنسبته إلى المقام الرفيع، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون "المرفوع" متصل الإسناد أو منقطعاً، فإذا استوفى شروط الصحة الخمسة كان صحيحاً أو حسناً، وإلا فهو ضعيف.
وهناك "المرفوع حُكْماً"، وهو أن يقول الصحابي قولاً لا يمكن أن يصدر إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يخبر عن مواقف في يوم القيامة، أو خبراً عن ما مضى من الأمم، أو حُكماً شرعياً.
كقول أبي الشعثاء: " كنَّا معَ أبي هريرةَ في المسجدِ فخرجَ رجلٌ حينَ أذَّنَ المؤذِّنُ للعصرِ فقالَ أبو هريرةَ أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسمِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ" حديث صحيح أخرجه أبو داود، فهذا الحديث يسمى مرفوع حكماً.
ولكن يُشترط في هذا الصحابي أن لا يكون ممن يروي عن أهل الكتاب الإسرائيليات، كالأحاديث التي يرويها عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- مما لم يصرح بكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله، فإن تلك الأحاديث لا تأخذ حكم الرفع حكماً؛ لأنه وجد يوم غزوة اليرموك زاملتين[1] من كتب أهل الكتاب، فكان يُحدث بها ويقول: «وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَوْمَ غَزَوْنَا الْيَرْمُوكَ ...»[2].
وقال الشعبي: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا عِنْدَهُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُحَدِّثْنِي عَنِ الْعَدْلَيْنِ.. الحديث» وفي رواية: «وَلَا تُحَدَّثَنِي عَنِ السِّفْطَيْنَ»[3].
قال ابن تيمية: «كان يوجد مَن ينقل عن أهل الكتاب وعلمائهم ... مثل ما ينقله عبد الله بن عمرو عن الكتب التي أصابها يوم اليرموك، وانما استجاز لهذا؛ لما رواه البخاري في الصحيح عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بلّغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار"، فلما رخص في الحديث عن بني إسرائيل استجاز ذلك عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وغيرهما؛ لكن لا يأخذون من ذلك دينًا»[4].
* * *
والمقطوع: وجمعه المقاطع، والمقاطيع، هو ما أُضيف للتابعي من قوله أو فعله، ومن دونه من أتباع التابعين.
مثاله: كحديثٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ قال: "{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} قَالَ: الْمَخْرَجُ مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ". أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه "الفرج عد الشدة".
والربيع بن خثيم تابعي ثقة، وتفسير الآية مضاف إليه، فهذا يسمى حديث مقطوع.
والحديث المقطوع لا يُحتج به فيه الأحكام الشرعية، حتى لو صحت نسبته إلى قائله، لأنه كلام رجل من المسلمين لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع ذلك فإنه يُستأنس بقوله لكونه من أهل القرون المفضلة القريبة من عهد النبي صله الله عليه وسلم.
مسألة: ومن مظان وجود الحديث المقطوع، في: مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني، وتفاسير: ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وكتب ابن أبي الدنيا، وغيرهم.



[1] تثنية "زاملة" وهو ما يحمل على البعير.
[2] أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1/ 103/ 74).
[3] الخليلي في «الإرشاد» (2/ 553/ 166) قال الخليلي: «قال علي بن المديني: أراد بالسفطين كتبا أصابها يوم اليرموك»اهـ.
[4] «مقدمة في أصول التفسير» ص(42)، و«مجموع الفتاوى» (13/ 366)، و«الرد على البكري» ص(97، 322).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق