الأحد، 30 أبريل 2023

شرح البيقونية (19) الحديث المعضل

 

الـمُعْضَل


18 – والـمُعْضَلُ الساقِط مِنه اثنانِ …

المعضل لغة: اسم مفعول من أعضله بمعنى أعياه، أَعْضَلَهُ الْأَمْرُ، يعني: أعياه الأمر، وَالْمُعْضِلَاتُ: الشَّدَائِدُ[1].

واصطلاحاً: ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي، في أي موضع؛ من أوله أو وسطه أو آخره[2].

أما إذا لم يتوال فيُسمى: منقطع من موضعين[3].

مثاله: ما رواه عبد الرزاق[4] في مصنفه عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ * *: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِفَتًى وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ عُمَرُ: يَا فَتَى، يَا فَتَى! ثَلَاثًا، حَتَّى رَأَى عُمَرُ، أَنْ قَدْ عَرَفَ صَوْتَهُ: تَقَدَّمْ إِلَى السُّارِيَةِ، لَا يَتَلَعَّبِ الشَّيْطَانُ بِصَلَاتِكَ، فَلَسْتُ بِرَأْيٍ أَقُولُهُ، وَلكنْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.

فهذا إسناد معضل؛ لأن ابن جريج أسقط منه راويين أو أكثر؛ شيخَه وشيخَ شيخِه، فليس أحدٌ من شيوخه يروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا بواسطة راو أو أكثر.

وكثير من البلاغات تعتبر من قبيل الحديث المعضل، والبلاغ: هو أن يقول الراوي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو عن الصحابي الفلاني، وهي كثيرة في موطأ الإمام مالك بن أنس[5].

مثاله: قول الإمام مالك: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ[6].

حكم الحديث المعضل: ضعيف بإجماع العلماء[7]، فهو أسوأ حالاً من المرسل والمنقطع؛ وذلك لكثرة المحذوفين من الإسناد.

من مظان وجود الحديث الـمُعضل:

قال السيوطي: "من ‌مظان ‌المعضل، ‌والمنقطع، والمرسل، كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا"[8].

 



[1] مقاييس اللغة (4/ 346)

[2] مقدمة ابن الصلاح (ص59)

[3] تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 241)

[4] مصنف عبد الرزاق (2/ 303) برقم: 2381

[5] صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع، والمعضل. قال: وجميع ما فيه من قوله بلغني، ومن قوله، عن الثقة عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا، كلها مسندة من غير طريق مالك، إلا أربعة لا تعرف. (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 242)

[6] موطأ مالك - رواية يحيى (3/ 455 ت الأعظمي). وسماه الخطيب البغداددي في بعض كلامه "مرسلا"، وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل مرسلا.

[7] تيسير مصطلح الحديث (ص93)

[8] [تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 244)]

الأحد، 2 أبريل 2023

ضاع الشهر !

 ضاع الشهر!


من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم الخيرات يتزودون من الحسنات ليوم معادهم ، ويتوبون من ما اقترفوا من السيئات.

ومن أعظم تلك المواسم شهر رمضان المبارك، ففيه تفتح أبواب الجنات وتغلق أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

فحري بالمسلم إذا علم فضائل هذا الشهر أن يتفرغ فيه قدر الإمكان لحفظ صيامه، والخشوع في صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.

لكن الناظر لواقعنا اليوم يجد أن كثيراً من الناس على خلاف ذلك تماماً، فقد انصرف كثير منهم إلى أمور أخرى تصدهم وتصرفهم عن نفحات هذا الشهر المبارك، وقد تأملت تلك الصوارف فدونتها، وهذه أبرزها:

1-الزيارات

التواصل مع الأصدقاء والأقارب، وصلة الرحم شيء عظيم، ولكن ليس واجباً أن يكون في شهر رمضان، وليس واجباً إن أردت أن تهنئ الناس بهذا الشهر أن تزور أرحامك كلهم، ومعارفك جلهم، بل يكفي أن تذهب لمكان يجمعهم مثلاً، بل يكفيك اتصالٌ أو رسالةٌ.

فغالب الناس اليوم ينشغلون في الثلث الأول من رمضان بالزيارات إلى ما بعد منتصف الليل، ويرجعون منهكين، فماذا بقي -بالله عليك- للعبادة وقراءة القرآن.

ويا ليت تلك الزيارات تسلم من الكلام في الناس، والخوض في المحرمات.

2-القرقيعان:

حين تدخل العشر الوسطى من شهر رمضان يأتي صارف جديد، ألا وهو "القرقيعان" عادة فاطمية أو نصرانية، تستهلك وقت الأُسر، وجيوبَهم.

تنشغل الأم -منذ بداية الشهر- بشراء ملابس القرقيعان لأولادها بأغلى الأثمان، مع حرصها أشد الحرص أن لا يكون هناك أجمل من لباس أولادها، حتى الأم والبنات أنفسهم قد يكون لهم نصيب من لباس القرقيعان، مع ما يشوبه من تبرج، مع توزيع الحلوى والكاكاو الغالي النفيس.

فدخل الناس في هذه العادة في بدعة وإسراف ومضيعة وقتٍ وتبرج!

3-الغبقات:

الغبة هي وليمة طعام كبيرة تكون الدَّعوة فيها عامة، فيتكلف صاحب الوليمة من أجل ذلك المصاريف الكبيرة.

وليت الأمر توقف على هذا فقط، بل تكون هناك منافسة على أشدها بين العوائل، كلٌ ينافس الآخر من أكثر مالاً وأعز نفراً؟! ومن خير مقاماً وأحسن ندياً؟!

وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن طعام المتبارين أن يؤكل!" [انظر: صحيح الجامع 6965 ]

"والمُتباريانِ هما المتعارِضانِ بفِعليهما؛ ليُرَى أيُّهما يَغلِب صاحبَه، فيُقيمُ كلُّ واحدٍ منهما الوليمةَ والضِّيافةَ ويُرادُ بها الفَخْرُ والسُّمْعَةُ والمباهاةُ والرِّياءُ، ولا يُرادُ بها وجْهُ اللهِ، بل يُريدُ مُقيمُ الطَّعامِ أنْ يُسابِقَ غيرَه في مباراةِ الفخرِ والرِّياءِ؛ حتَّى يُعجِزَه أنْ يَصنَعَ مِثْلَه".

فانظر يا رعاك الله كيف ضاع رمضان ما بين زيارات مبالغ فيها، وقرقيعان، وغبقات، إلى جانب أمور أخرى كالمسلسلات الرمضانية، والحفلات الغنائية، وسهرات ليالي رمضان!!

فهذه تذكره لتدارك هذا الشهر العظيم من أن يضيع سدى، في أمور محرمة، أو أمور على الأقل يمكن تداركها في غير هذا الشهر الثمين، كالعيد أو بقية أيام السنة.


أسأل الله تعالى بمَنِّهِ وكرمه أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه وأن يتقبله منا.