السبت، 25 ديسمبر 2021

الكريسماس

 

الكريسماس

 

لقد كانت البشرية قُبيل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم تتخبط في ظلمات الشرك والجهل، والخرافات والدجل، حيث ابتعدوا عن أنوار النبوات، وضيعوا ما ائتمنوا عليه من الكتب والآيات؛ يوضح ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ، وَقالَ: إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ" أخرجه الإمام مسلم[1].

فبعث الله عز وجل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فأرسله الله تعالى إلى أقوام متفرقين في عباداتهم، فمنهم من يعبد الملائكة والحجر ومنهم من يعبد الأنبياء والشجر، فساوى بينهم في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والخرافات.

فأمره الله تعالى أن يصدع فيقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} فلم يخصَّ بدعوته صنفاً دون صنف ولا قوماً دون قوم ولا ديناً دون دين، بل شملت دعوته البشرية جمعاء.

وممن دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الهدى ودين الحق .. النصارى "المسيحيين"[2]، حيث كانوا على طوائف ثلاث مختلفون في حقيقة عيسى عليه السلام: فمنهم من قال: هو الله -تعالى عما يقولون علوا كبيرا-، ومنهم مَن قال: هو ابن الله -تعالى وتقدس-، ومنهم من قال: هو ثالث ثلاثة -سبحانه وتعالى عما يقولون-.

فبين الله كُفر هذه الطوائف الثلاث بوضوح لا لبس فيه، فقال تعالى في سورة المائدة:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}

وقال في سورة مريم:

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)}

وبين الله تعالى لهم أن عيسى نبي كغيره من الأنبياء، وأن الله تعالى يخلق ما يشاء، قال تعالى:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}

وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

وأخبرهم عن أول كلمات نطق بهن عيسى في المهد:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}

فلا طريق لهؤلاء إلى الجنة -بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم- إلا من طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: إلا باتباع دين الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ" متفق عليه.

* * *

إذا تقرر ذلك، فاعلم أن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد ربهم عيسى -وهو منهم براء-[3]، كل عام في الخامس والعشرين من ديسمبر.

وأول ذِكر لاحتفالات عيد الميلاد ورد عام 336م، في تقويم روماني قديم، جاءت الإشارة فيه إلى يوم 25 ديسمبر على أنه يوم الاحتفال، والواضح أن هذا الاحتفال تأثر بالمهرجانات الوثنية التي كانت تقام في ذلك الوقت.[4]

ففي بعض البلاد كبريطانيا، مثلاً، يزيّن الناس منازلهم بمختلف أنواع الزينة، فيضعون أشجار عيد الميلاد في الممرات، ويتبادلون التهاني بإرسال البطاقات للأقارب والأصدقاء. وفي بعض البلاد، كأمريكا الشمالية، يتناول بعض الناس عشاءً تقليديًا مكونًا من الديك الرومي والخضراوات، ويتلقى الأطفال في معظم أعياد الميلاد أنواعًا من الحلوى والهدايا من بابا نويل أو القديس نقولا. وفي بعض المجتمعات كأسبانيا يحتفل النصارى بالرقص في الشوارع.

وفي كل من هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج؛ يقدم القديس نقولا ـ وفقًا للاعتقاد السائد ـ هدايا للأطفال في ليلة السادس من ديسمبر ويأتي نقولا من خلال المدخنة، ويترك الهدايا في الأحذية التي وضعها الأطفال قرب المدفأة.

وهكذا، تختلف المظاهر باختلاف البلدان والمجتمعات[5].

فهذا هو يوم عيدهم، وتلك طرق احتفالاتهم، وذاك سبب الاحتفال وهو: شركهم بالله.

* * *

حكم الاحتفال في هذا اليوم بالنسبة للمسلمين !!

لا أعتقد أن مسلماً -يؤمنُ بالله واليوم الآخر ويعرف حقيقة هذا العيد- يحتفل به !

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}

كيف تحتفل وهم يشمتون الله تعالى وتقدس ؟!

يقول الله تعالى -في الحديث القدسي-:

"يَشْتِمُنِي ابنُ آدَمَ، وما يَنْبَغِي له أنْ يَشْتِمَنِي، ويُكَذِّبُنِي وما يَنْبَغِي له، أمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إنَّ لي ولَدًا، وأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: ليسَ يُعِيدُنِي كما بَدَأَنِي" أخرجه البخاري[6].

وفي رواية عند ابن حبان[7]: "... وأمَّا شَتْمُه إيَّايَ فقولُه: اتَّخَذ اللهُ ولدًا، وأنا اللهُ الأحدُ الصَّمدُ لم ألِدْ ولم أولَدْ ولم يكُنْ لي كفُوًا أحدٌ"

فلا شك أن الاحتفال بهذا العيد تشبهٌ بالنصارى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم" أخرجه أبو داود[8].

فظاهر الحديث الكفر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم".

وقال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم" ذكره البيهقي.

ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشِرَ معهم يوم القيامة".

وقال أبو القاسم الطبري الفقيه الشافعي: "ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور، وإذا خالط أهلُ المعروف أهلَ المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له، فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع، نعوذ بالله من سخطه".

وقال أبو الحسن الآمدي: "لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود" نص عليه أحمد في رواية مهنا. واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}. قال يعني: الشعانين وأعيادهم[9].

لذلك أجمع جميع فقهاء المسلمين على تحريم التشبه بالكفار وحضور أعيادهم، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك:

قال ابن القاسم من المالكية: "من ذبح بطيخة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً".

وقالت الحنفية: من أهدى إلى رجل في يوم النيروز بيضة فقد كفر !

كذلك تحرم تهنئتهم في ذلك العيد، لأن التهنئة تعني استحسان ما فعلوه أو اعتقدوه، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:

""وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قُبْحَ ما فعل"[10].

 

من أجل ذلك كله وجب على الدعاة والمختصين تنبيه المسلمين وتحذيرهم مما يفعل الجاهلون من مشاركة النصارى في أعيادهم ونصب شجرة الكريسماس وتزيين صورة "بابا نويل" في أعين الأطفال، والله المستعان!

قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}

 

والحمد لله رب العالمين.



[1] في صحيحه رقم (2865).

[2] قال الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية (1 / 93)":

"لا يجوز إبدال اسم ((النصارى)) بالمسيحيين نسبة إلى أتباع المسيح، عليه السلام، وهي تسمية حادثة لا وجود لها في التاريخ، ولا استعمالات العلماء؛ لأن النصارى بدَّلُوا دين المسيح وحرَّفوه، كما عمل يهود بدين موسى عليه السلام. وهذه تسمية ليس لها أصل، وإنَّما سمّاهم الله ((النصارى)) لا ((المسيحيين))"

[3] وفي يوم القيامة يقول الله تعالى لعيسى: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فيتبرأ منهم عيسى ومن مشركهم.

[4] الموسوعة العربية العالمية: (عيد الميلاد).

[5] المصدر نفسه.

[6] برقم (3193)

[7] صحيح ابن حبان (267)

[8] برقم (4031) وهو حديث صحيح.

[9] عيد نصراني يقع يومَ الأحد السابق لعيد الفِصح، يحتفل فيه بذكرى دخول السيد المسيح بيتَ المقدِس، والنيروز: هو عيد رأس السنة الفارسية.

[10] أحكام أهل الذمة (1/144 - 244).