السبت، 25 ديسمبر 2021

الكريسماس

 

الكريسماس

 

لقد كانت البشرية قُبيل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم تتخبط في ظلمات الشرك والجهل، والخرافات والدجل، حيث ابتعدوا عن أنوار النبوات، وضيعوا ما ائتمنوا عليه من الكتب والآيات؛ يوضح ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ، وَقالَ: إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ" أخرجه الإمام مسلم[1].

فبعث الله عز وجل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فأرسله الله تعالى إلى أقوام متفرقين في عباداتهم، فمنهم من يعبد الملائكة والحجر ومنهم من يعبد الأنبياء والشجر، فساوى بينهم في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والخرافات.

فأمره الله تعالى أن يصدع فيقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} فلم يخصَّ بدعوته صنفاً دون صنف ولا قوماً دون قوم ولا ديناً دون دين، بل شملت دعوته البشرية جمعاء.

وممن دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الهدى ودين الحق .. النصارى "المسيحيين"[2]، حيث كانوا على طوائف ثلاث مختلفون في حقيقة عيسى عليه السلام: فمنهم من قال: هو الله -تعالى عما يقولون علوا كبيرا-، ومنهم مَن قال: هو ابن الله -تعالى وتقدس-، ومنهم من قال: هو ثالث ثلاثة -سبحانه وتعالى عما يقولون-.

فبين الله كُفر هذه الطوائف الثلاث بوضوح لا لبس فيه، فقال تعالى في سورة المائدة:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}

وقال في سورة مريم:

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)}

وبين الله تعالى لهم أن عيسى نبي كغيره من الأنبياء، وأن الله تعالى يخلق ما يشاء، قال تعالى:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}

وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

وأخبرهم عن أول كلمات نطق بهن عيسى في المهد:

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}

فلا طريق لهؤلاء إلى الجنة -بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم- إلا من طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: إلا باتباع دين الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ" متفق عليه.

* * *

إذا تقرر ذلك، فاعلم أن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد ربهم عيسى -وهو منهم براء-[3]، كل عام في الخامس والعشرين من ديسمبر.

وأول ذِكر لاحتفالات عيد الميلاد ورد عام 336م، في تقويم روماني قديم، جاءت الإشارة فيه إلى يوم 25 ديسمبر على أنه يوم الاحتفال، والواضح أن هذا الاحتفال تأثر بالمهرجانات الوثنية التي كانت تقام في ذلك الوقت.[4]

ففي بعض البلاد كبريطانيا، مثلاً، يزيّن الناس منازلهم بمختلف أنواع الزينة، فيضعون أشجار عيد الميلاد في الممرات، ويتبادلون التهاني بإرسال البطاقات للأقارب والأصدقاء. وفي بعض البلاد، كأمريكا الشمالية، يتناول بعض الناس عشاءً تقليديًا مكونًا من الديك الرومي والخضراوات، ويتلقى الأطفال في معظم أعياد الميلاد أنواعًا من الحلوى والهدايا من بابا نويل أو القديس نقولا. وفي بعض المجتمعات كأسبانيا يحتفل النصارى بالرقص في الشوارع.

وفي كل من هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج؛ يقدم القديس نقولا ـ وفقًا للاعتقاد السائد ـ هدايا للأطفال في ليلة السادس من ديسمبر ويأتي نقولا من خلال المدخنة، ويترك الهدايا في الأحذية التي وضعها الأطفال قرب المدفأة.

وهكذا، تختلف المظاهر باختلاف البلدان والمجتمعات[5].

فهذا هو يوم عيدهم، وتلك طرق احتفالاتهم، وذاك سبب الاحتفال وهو: شركهم بالله.

* * *

حكم الاحتفال في هذا اليوم بالنسبة للمسلمين !!

لا أعتقد أن مسلماً -يؤمنُ بالله واليوم الآخر ويعرف حقيقة هذا العيد- يحتفل به !

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}

كيف تحتفل وهم يشمتون الله تعالى وتقدس ؟!

يقول الله تعالى -في الحديث القدسي-:

"يَشْتِمُنِي ابنُ آدَمَ، وما يَنْبَغِي له أنْ يَشْتِمَنِي، ويُكَذِّبُنِي وما يَنْبَغِي له، أمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إنَّ لي ولَدًا، وأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: ليسَ يُعِيدُنِي كما بَدَأَنِي" أخرجه البخاري[6].

وفي رواية عند ابن حبان[7]: "... وأمَّا شَتْمُه إيَّايَ فقولُه: اتَّخَذ اللهُ ولدًا، وأنا اللهُ الأحدُ الصَّمدُ لم ألِدْ ولم أولَدْ ولم يكُنْ لي كفُوًا أحدٌ"

فلا شك أن الاحتفال بهذا العيد تشبهٌ بالنصارى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم" أخرجه أبو داود[8].

فظاهر الحديث الكفر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم".

وقال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم" ذكره البيهقي.

ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشِرَ معهم يوم القيامة".

وقال أبو القاسم الطبري الفقيه الشافعي: "ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور، وإذا خالط أهلُ المعروف أهلَ المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له، فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع، نعوذ بالله من سخطه".

وقال أبو الحسن الآمدي: "لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود" نص عليه أحمد في رواية مهنا. واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}. قال يعني: الشعانين وأعيادهم[9].

لذلك أجمع جميع فقهاء المسلمين على تحريم التشبه بالكفار وحضور أعيادهم، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك:

قال ابن القاسم من المالكية: "من ذبح بطيخة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً".

وقالت الحنفية: من أهدى إلى رجل في يوم النيروز بيضة فقد كفر !

كذلك تحرم تهنئتهم في ذلك العيد، لأن التهنئة تعني استحسان ما فعلوه أو اعتقدوه، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:

""وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قُبْحَ ما فعل"[10].

 

من أجل ذلك كله وجب على الدعاة والمختصين تنبيه المسلمين وتحذيرهم مما يفعل الجاهلون من مشاركة النصارى في أعيادهم ونصب شجرة الكريسماس وتزيين صورة "بابا نويل" في أعين الأطفال، والله المستعان!

قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}

 

والحمد لله رب العالمين.



[1] في صحيحه رقم (2865).

[2] قال الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية (1 / 93)":

"لا يجوز إبدال اسم ((النصارى)) بالمسيحيين نسبة إلى أتباع المسيح، عليه السلام، وهي تسمية حادثة لا وجود لها في التاريخ، ولا استعمالات العلماء؛ لأن النصارى بدَّلُوا دين المسيح وحرَّفوه، كما عمل يهود بدين موسى عليه السلام. وهذه تسمية ليس لها أصل، وإنَّما سمّاهم الله ((النصارى)) لا ((المسيحيين))"

[3] وفي يوم القيامة يقول الله تعالى لعيسى: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فيتبرأ منهم عيسى ومن مشركهم.

[4] الموسوعة العربية العالمية: (عيد الميلاد).

[5] المصدر نفسه.

[6] برقم (3193)

[7] صحيح ابن حبان (267)

[8] برقم (4031) وهو حديث صحيح.

[9] عيد نصراني يقع يومَ الأحد السابق لعيد الفِصح، يحتفل فيه بذكرى دخول السيد المسيح بيتَ المقدِس، والنيروز: هو عيد رأس السنة الفارسية.

[10] أحكام أهل الذمة (1/144 - 244).

الاثنين، 1 نوفمبر 2021

الهالوين Halloween

 

عَشِيَّةُ عِيدِ القدِّيسين

(أو: الهالوين Halloween)

معلوم لدى الناس أن لكل شَعْبٍ أو دِيانةٍ عيداً خاصاً بهم، هو بمثابة هوية لهم يحيون ذكراها سنةً بعد سنة، ويؤكدون من خلال عيدهم الثبات على المبادئ والقيم المشتركة بينهم، يتوارث ذلك الأبناء عن الآباء والأجيال عن الأجيال.

ولا يكاد صيت الأعياد يتجاوز حدود رقعة أتباعه الجغرافية، ولا كتبهم التاريخية، ولا يتطفل عليهم إلا الباحثون والمثقفون بقدرٍ قليل.

ولكن بعد الانفتاح الحاصل في أيام زماننا، والثورة التقنية التي قربت البعيد، ولَيَّنتِ الشديد، وسمحت للعدو باستخدام نوع من الحرب جديد، واختلط الحابل بالنابل، وامتزجت الثقافات، وتحرفت الديانات، آملين توحيد المعمورة ثقافياً وفكرياً وعقدياً .. بعد كل ما سبق صرنا نسمع بأعياد جديد لم يعرفها آباؤنا، بل لم نعرفها نحن قبل سنوات معدودة.

ومن تلكم الأعياد عيد (الهالوين Halloween)، وما أدراك ما الهالوين !

* * *

الهالوين أو عشيَّة عيد القديسين: مهرجان يقام في بعض البلدان الغربية في (31 أكتوبر) من كل عام ويعرف لدى الكثيرين بـ "الهالاوين".

يمارس من خلالها "السلتيين"[1] القدماء بعض العادات والطقوس الوثنية؛ كإشعال النيران وتقديم القرابين. وقد ظلت بعض الطقوس "السلتية" تُمارس حتى بعد تحول الناس إلى النصرانية.

فقامت الكنيسة في القرن التاسع الميلادي بإيجاد عيد القديسين لكي يُحتفل به في الأول من نوفمبر، فأدخل الناسُ الطقوسَ الوثنية القديمة ضمن احتفالات هذا العيد النصراني.

وتجري خلال هذا اليوم أيضاً بعض الممارسات، مثل: العِرافة والكهانة وقراءة الحظ ورواية القصص حول الأشباح والسحرة… إلخ، وهي عادة ظهرت في الولايات المتحدة وانتشرت في إنجلترا وفي بلدان أخرى.

ويلبس الناس في ذلك اليوم أزياء تنكرية "مرعبة" غالباً، ويُشعلون مصابيح تسمى فوانيس جاك[2] المحفورة بداخل حبة اليقطين[3].

وذلك -حسب معتقداتهم- أن "سامان" وهو إله الموت العظيم، يدعوا جميع الأرواح الملعونة التي ماتت خلال العام بأن تمضي حياتها في أجساد الحيوانات بالنزول إلى الأرض والتجول فيها.

فيقوم السذج بإشعال نارٍ كبيرة لإخافتها وإبعاد تلك الأرواح.

وكذلك من أسباب لبسهم تلك الألبسة الغريبة التي يرتديها الجميع في هذا العيد، -كما تقول معتقداتهم- أن في ليلة العيد تعود كل الأرواح من عالم البرزخ إلى الأرض، وتبقى فيها حتى طلوع الفجر، فحتى لا يتم التعرف عليهم من قبل الأرواح الشريرة يلبسون تلك الملابس التنكرية !

وتنتشر السرقات الخفيفة في العيد كالقطع الخشبيّة والأبواب وغيرها ، ليعتقد الناس بأن الأرواح الشريرة تنتشر في المكان وقد قامت بسرقتها !

ويـُحتفل به الآن في عدة بلدانٍ غربيّة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وإيرلندا في ال 31 من تشرين الأول من كل عام.

* * *

من خلال هذا العرض الموجز يتضح لنا أن عيدَ الهالوين عيدٌ قديم من أُمم وثنية وتاريخ نصراني مُحرَّف، ونحن منهيون عن مشاركة الكفار أعيادهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال المفسِّر الربيع بن أنس: الزور هو: أعياد المشركين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم" أخرجه أبو داود.

ولا يخفاك درجة التشبه الكبير في هذا العيد الذي يصل عند بعض المسلمين إلى درجة المطابقة -والله المستعان-.

وقد أصَّل المصطفى عليه الصلاة والسلام أصلاً في الأعياد؛ وهو أن المشروع في ديننا عيدانِ في السنة؛ عيد الأضحى وعيد الفطر، ويوم الجمعة وهو عيد الأسبوع.

فعن أنسٍ بن مالك قالَ : قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ: "ما هذانِ اليومانِ" قالوا: كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ".

انتبه لكلمتي: نلعب، وأبدلكم !!

فلا عذر لأحد أن يلعب في أعياد الكفار ولو متجرداً عن الاعتقاد.

كذلك قوله "أبدلكم" يدل على أن الأعياد في ديننا مرفوضة سوى ما شرعه الله لنا.

وعند ابن ماجه في السنن أنه عليه الصلاة والسلام قال عن يوم الجمعة: "إنَّ هذا يومُ عيدٍ ، جعلَهُ اللَّهُ للمسلمينَ ، فمن جاءَ إلى الجمعةِ فليغتسل ، وإن كانَ طِيبٌ فليمسَّ منْهُ ، وعليْكم بالسِّواك".


هذا في مجرد المشاركة في الأعياد، فكيف والهالوين قد تضمن العديد من المحظورات والخرافات؟؟ منها:

تقديم القرابين لغير الله عز وجل[4]، ممارسة الكهانة والعرافة وقراءة الحظ[5]، وقراءة القصص حول الأشباح، والسحر[6]، وتناسخ الأرواح ؟!!

ظلمات بعضها فوق بعض -نسأل الله العافية-.

 * * *

لماذا إذاً يحفل المسلمون بعد كل هذا ؟

المسلمون -المحتفلون- إما جاهلون أو متجاهلون؛ قد غرتهم الثقافة الغربية.

أما الجاهل فينبغي عليه أن يرفع الجهل عن نفسه بمعرفته مبادئ عقيدته، ولزوم أهل العلم والخير حتى يتفقه في دينه ولا يقع مصيدةً لأولئك الملاحدة والكفرة، فإن قصَّر فلا عذر له.

وأما المغترون بالثقافة الغربية فإني أنظر إليهم بنظرة العطف والحسرة؛ كيف استبدلوا الرخيص بالنفيس، وباعوا الفطرة السليمة واشتروا المعتقد الخسيس؟

أما سمعوا تحذير الله عز وجل لما قال: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

أما علموا أنهم بصنيعهم هذا لن يرضوا الكفرة ولن يحبوهم!

كما قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}

فلن يقبلوا منكم قربانا ولا صرفاً ولا عدلاً إلا إذا كفرتم ككفرهم، كما أخبرنا الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.

فنسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، وأن يبصِّرَنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ويحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين.

 

والله المستعان وعليه التُّكلان

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

 

 

 



[1] هم مجموعة قبائل وثنية كانت منتشرة في أوربا.

[2] وتقول إحدى الأساطير الأيرلندية: إن تسمية المصباح أو فانوس جاك جاءت من اسم شخص اسمه جاك، كان قد حُرم من دخول الجنة بسبب بخله، كما أنه لا يدخل النار لأنه كان يخدع الشيطان. وهكذا كان عليه أن يهيم على وجهه في الأرض حاملاً مصباحه بيده إلى يوم القيامة.

[3] انظر: الموسوعة العربية العالمية: (عشية عيد القديسين).

[4] أما تقديم القرابين لغير الله عز وجل فشِركٌ أكبر يُخرج من الملة، إذا فعلته أو رضيت به (ولو لم تفعله)؛ قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} فمن جعله لغير الله فقد أشرك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله" واللعن الطرد والإبعاد عن الرحمة -والعياذ بالله-.

[5] وأما الكهانة والعرافة وقراءة الحظ فهي ادعاء ما سيحصل في المستقبل، أو العثور على الأشياء الضائعة؛ وهذا كله كفر وشرك؛ قال الله تعالى: {قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ‌ٱلۡغَيۡبَ ‌إِلَّا ‌ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يَقولُ فقدْ كفرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ"

[6] قال تعالى في شأن السحر: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر ..." الحديث، أخرجه مسلم.