الخميس، 4 يونيو 2020

شرح البيقونية (15) الموقوف


الموقوف


15 - ومَا أضَفْتَهُ إِلَى الأَصْحَابِ مِنْ ... قَوْلٍ وفعل فهو مَوْقُوفٌ زُكنْ

الموقوف لُغةً: اسم مفعول من الوقف، قال : وقف يقف وقوفا، أي : دام واقفا.

واصطلاحا: هو ما رُوي عن الصحابة رضوان الله عليهم قولا لهم أو فعلا أو تقريراً.

ويسميه بعض العلماء "أثراً" ويسمون المرفوع "خبراً"، ويكاد يكون إطلاق مصطلح "الأثر" على الحديث الموقوف هو الشائع عند المتأخرين والمعاصرين[1].

من أمثلته:

أ- مثال الموقوف القولي: قول الراوي، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله"، فهذا الكلام كلام علي بن أبي طالب، وليس كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

ب- مثال الموقوف الفعلي: قول البخاري: "وأَمَّ ابنُ عباس وهو متيمم"[2].

جـ - ومثال الموقوف التقريري: ما رواه ابن أبي شيبة عن نافع أنه قال قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: «إِنَّ سَعْدًا يَأْكُلُ الضِّبَاعَ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ»[3].


وقد يكون الموقوف: موقوف لفظا، مرفوع حكما، وقد تكلمنا عنه في درس "المرفوع".

وقد يُستعمل اسم الموقوف فيما جاء عن غير الصحابة، لكن مقيدا، مثلا: "هذا حديث وقفه فلان على الزهري"، فالزهري تابعي وليس صحابياً، ولما كان كذلك احتجنا إلى ذِكر اسمه كي يزول الإشكال.



هل يحتج بالموقوف؟

الموقوف على الصَّحابيّ واردٌ على وُجوهٍ، لكلٍّ منهَا مرتبةٌ في القبُولِ والاحتجاجِ أو عدمِهِ عندَ علماء الأصول، هي كالتَّالي:

1-قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستدلال به والاحتجاج.

2-أن يكونَ الأثر الموقوف انتشرَ بين الصَّحابةِ فلم يُنكرْهُ أحدٌ منهُمْ، فهذا حجَّةٌ عندَ جُمهورِ العُلماءِ جرى عليهِ العملُ عندَ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والشَّافعيِّ في مذهبهِ الجديدِ والحنابلةِ، وهذا في الحقيقةِ من قبيلِ (الإجماعِ السُّكوتيِّ).

قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".

3-أن يكونَ خالفَهُ فيه غيرُهُ من الصَّحابَةِ، فهذا ليسَ بِحُجَّةٍ عند جميعِ الفُقهاءِ، لأنَّهُ لا مرجِّحَ لقبولِ قولِ هذا وردِّ قولِ ذاكَ، وإنْ وُجِدَ مُرجِّحٌ خارجيٌّ كدليلٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ أو القياسِ أو غير ذلكَ كان الاحتجَاجُ بالدَّليلِ لا بقولِ الصَّحابيِّ، ولم يجز للمجتهد بعدهم أن يقلد بعضهم، بل الواجب في هذه الحالة التخير من أقوالهم بحسب الدليل عند الأكثر ولا يجوز الخروج عنها.

قال ابن تيمية: "وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء"

4-أن يكونَ الوارد عن الصحابي لم ينتشرْ، وليسَ مثلُهُ مظنَّةَ الانتِشارِ، ولمْ يخَالف فيهِ صحابيًّا غيرَهُ، فهذا اختلفوا فيهِ، وأكثرُهُم يحتجُّ به حيثُ لا يكونُ عندَهُ في المسألةِ نصٌّ من كتابٍ أو سُنَّةٍ ، ويُقدِّمُهُ على رأي نفسِهِ ، فهو قول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة -أنه حجة- خلافًا للمتكلمين .

قال ابن تيمية: "وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد - في المشهور عنه - والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع، ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم" .

تنبيه: قول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به هو الذي لا يكون مخالفًا للنص، إذ من المستبعد أن يخالف الصحابي نصًا ولا يخالفه صحابي آخر.

قال ابن القيم: "من الممتنع أن يقولوا -أي الصحابة- في كتاب الله الخطأ المحض؛ ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها [يعني قول الصحابي المخالف للنص] قد تكلم فيها غيرهم بالصواب، والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب، واشتماله على ناطق بغيره فقط، فهذا هو المحال" .



أين نجد الأحاديث الموقوفة:

نجد الحديث الموقوف بشكل أساسي في كتب: المصنفات والموطآت ، والتفسير بالمأثور، وبعض الكتب التي ترجمت للصحابة، وبعض الأجزاء الحديثية، مثل:

1- المصنف : لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (المتوفي سنة: 230ه).

2 - المصنف : لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (المتوفي سنة: 211ه).

3-جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير ابن جرير الطبري)،
(المتوفي سنة: 310ه).
وغيرها من المصادر. 



[1] معجم المصطلحات الحديثية ص805، اصطلاح فقهاء خراسان: يسمي فقهاء خراسان: أ- المرفوع: خبرا. ب- والموقوف: أثرا.
أما المحدثون فيسمون كل ذلك "أثرا"؛ لأنه مأخوذ من "أثرت الشيء" أي رويته.
[2] أي صار إماما يصلي بالناس وهو متيمم بالتراب وليس متطهراً بالماء.
[3] مصنف ابن أبي شيبة 5/ 118

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق