الأحد، 2 فبراير 2020

أحكام صوت الإنسان


أحكام صوت الإنسان
قال الله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان 19]
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: (أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال تعالى: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} قال مجاهد وغير واحد: (إن أقبح الأصوات لصوت الحمير) أي: غاية مَن رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم).
إن الشريعةَ الإسلامية شريعةٌ شاملة واسعة لكل نواحي الحياة، فقد جاءت بالأحكام العقائدية والفقهية وبالآداب المرعية، ومن تلك الأحكام والآداب: أحكامٌ تتعلق بصوت الإنسان.
•يختلف الحكم الشرعي لصوت الإنسان باعتبارات متنوعة:
-يستحب رفع الصوت في مواضع، منها:
1-في الأذان: قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله-: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ -المؤذن- صَيِّتًا، يُسْمِعُ النَّاسَ، وَاخْتَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ لِكَوْنِهِ صَيِّتًا) [المغني 1/301] الصَّيِّت: الشديد الصوت.
2-وفي خطبة الجمعة: لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يقولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ" [أخرجه مسلم (867)].
3-عند التعليم أحياناً: قال البخاري (باب مَن رفعَ صوته بالعلم) وذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "فنادى -النبيُّ صلى الله عليه وسلم- بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثا" [أخرجه البخاري (60)]
4-حال التلبية: لقول رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ شِعَارِ الْحَجِّ" [أخرجه ابن ماجه (2923) وصححه الألباني].
-يستحب خفض الصوت في مواضع، منها:
1-عند النائم: لحديث المقداد بن عمرو -رضي الله عنه-: "...فيَجيءُ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- منَ اللَّيلِ فيسلِّمُ تسليمًا، لا يوقظُ النَّائمَ ويُسمِعُ اليقظانَ ..." [أخرجه الترمذي (2719) وصححه الألباني].
2-وفي الصلاة السرية: قيل لِخَبَّابِ بنِ الأرَتِّ -رضي الله عنه-: (أكانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَقْرَأُ في الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قُلتُ: بأَيِّ شيءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قالَ: باضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ) [أخرجه البخاري (761)].
3-وفي الدعاء: لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف 205]، قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: (وفي هذا نص على أنه الذِّكر باللسان، ويـَحتمل وجهين: أحدهما: قراءة القرآن. والثاني: الدعاء، وكلاهما مندوب إلى إخفائه). [زاد المسير (2/184)]
4-عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وعند سماع حديثه بعد مماته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات 2]
قال الإمام السعدي -رحمه الله-: (وهذا أدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم).
وكان الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل، وتبخر، وتطيّب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره (أي: انتهره وزجره)، وقال: (قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فمن رفع صوته عند حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-). [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/406)].
-ويُحسَّنُ الصوت استحباباً في مواضع، منها:
1-حال قراءة القرآن: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "زيِّنوا القُرآنَ بأصواتِكُم" [أخرجه أبو داود (1468)، وصححه الألباني]
2-وحال التأذين بالأذان: لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه -رضي الله عنه- في رؤياه الأذانَ في المنام، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إنَّها لرُؤيا حقٍّ إن شاءَ اللَّهُ، فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليهِ ما رأيتَ فليُؤَذِّنْ بِهِ فإنَّهُ أَنْدَى صوتًا منكَ" [أخرجه أبو داود (499) وقال الألباني: حسن صحيح].
-ويحرم على المرأة الخضوع بصوتها:
قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب 32]
قال الإمام السعدي -رحمه الله-: ({فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع {الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق