السبت، 1 فبراير 2020

شرح البيقونية (6) الحديث الضعيف


الحديث الضعيف
6 - وكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الـحُسْنِ قَصُرْ ... فهو الضعيف وَهْوَ أَقْسَاماً كُثُرْ
كل حديث لم تتوفر فيه شروط الحديث الحسن، فهو حديث ضعيف.
قال الناظم: (وَهْوَ أَقْسَاماً كُثُرْ) أي: أقسامه كثيرة باعتبار فقد صفة من صفات القبول، فإن فَقَدَ شرط الاتصال مثلاً دخل في أنواع كثيرة؛ لأن ربما يكون مرسلاً أو منقطعاً أو معضلاً أو معلقاً، وقُل مثل ذلك في الشروط الباقية.
وجمع شرف الدين المناوي أنواع الضعيف، ونَوَّعَ ما فقد الاتصال إلى ما سقط منه الصحابي، أو واحد غيره، أو اثنان، وما فقد العدالة إلى ما في سنده ضعف أو مجهول، وقسمها بهذا الاعتبار إلى مائة وتسعة وعشرين قسما باعتبار العقل، وإلى واحد وثمانين باعتبار إمكان الوجود.
بل أوصلها بعضهم إلى ثلاثمائة وإحدى وثمانين!
ولكن قال ابن حجر: إِنَّ ذَلِكَ تَعَبٌ لَيْسَ وَرَاءَهُ أَرَبٌ.
مثاله: حديث أخرجه ابن ماجه في سننه، قال:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "هَكَذَا نُبْعَثُ"[1].

فهذا حديث ضعيف؛ لأن في إسناده سعيد بن مسلمة الأموي، قال عنه ابن حجر: ضعيف، وقال عنه الذهبي: واهٍ.
مسألة: تفاوت الضعف:
يتفاوت ضعف الضعيف بحسب شدة ضعف رواته وخفته، ومن الضعيف ما لُقِّبَ بلقب خاص، كالموضوع، والشاذ، وغيرهما، كالمقلوب، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، والمنكر، كما سيأتي ذكره.

مسألة: حكم رواية الحديث الضعيف العمل به:
يجوز عند بعض أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد الضعيفة، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه -في غير صفات الله تعالى، وما يجوز ويستحيل عليه، وتفسير كلامه، والأحكام كالحلال والحرام، وغيرهما- وذلك كالقصص وفضائل الأعمال والمواعظ، وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام ومن نقل عنه ذلك: ابن حنبل، وابن مهدي، وابن المبارك، والسفيانين، وابن عبد البر، وحكى النووي إجماع أهل الحديث وغيرهم على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها.
قال الإمام أحمد بن حنبل: "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد".
وقُيِّدَ هذا الرأي -قول الجمهور- بثلاثة قيود:
1 - أن لا يكون الضعف شديداً.
2 - أن يكون أصل العمل الذي ذكر فيه الترغيب والترهيب ثابتاً.
3 - أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
وأما ابن العربي المالكي وغيره فقد منعوا العمل بالضعيف مطلقاً.

مسألة: مظان الحديث الضعيف:
أولاً: الكتب الخمسة -البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي- كلها صحيحه، إلا أحاديث قليلة في السنن الثلاثة بالنسبة لما فيها من الأحاديث، ويلتحق بدرجتها مسند الإمام أحمد، أما البخاري ومسلم فلا يوجد فيهما حديث ضعيف، إلا بعض ما انتقده عليهما الدارقطني وغيره، والحق معهما في ذلك.
قال النووي موضحاً كثرة الأحاديث الصحيحة في الكتب الخمسة: "لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني الصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي، والنسائي".
قال الحافظ أبو نصر الوائلي السجزي: "أجمع أهل العلم - الفقهاء وغيرهم - على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله لا شك فيه، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته".
وكذلك ما ذكره أبو عبد الله الحميدي في كتابه "الجمع بين الصحيحين" من قوله: "لم نجد من الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين".
قال ابن الصلاح: "فإنما المراد بكل ذلك: مقاصد الكتاب وموضوعه، ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها؛ لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا".
ثانياً: أما سنن ابن ماجه، فلم يكن يُذكر ضمن الكتب الأصول، وأول من أضاف كتاب ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر المقدسي، صاحب كتاب "شروط الأئمة الستة".
قال ابن حجر: "وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدا بخلاف ابن ماجه، فإن زياداته أضعاف زيادات الموطأ فأرادوا بضمّ كتاب ابن ماجه الخمسة تكثير الأحاديث المرفوعة والله أعلم"[2].
والعلماء يعتبرون سنن ابن ماجه أقل الكتب الستة درجة، وذلك لكثرة الأحاديث الضعيفة فيه، وشيء من الموضوعات أيضاً، كما أنه يخرِّج عن رواة متهمين.
قال الإمام الذهبي: " كان ابن ماجه حافظا ناقدا صادقا، واسع العلم، وإنما غض من رتبة (سننه) ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات، وقول أبي زرعة - إن صح - فإنما عنى بثلاثين حديثا؛ الأحاديث المطرحة الساقطة[3]، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف"[4].
وقال القاري: "وَقد توقف بَعضهم فِي إِلْحَاق ابْن مَاجَه بهم لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الضعْف بل الْمَوْضُوع"[5].
وقال السخاوي: "أما كتاب ابن ماجه فإنه تفرد بأحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث، مما حكم عليها بالبطلان أو السقوط أو النكارة"[6].
وقد اقترح بعض أئمة هذا الشأن أن يكون سنن الدارمي مكانه ضمن الكتب الستة، قال الحافظ العلائي: "ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادسا للخمسة بدله، فإنه قليل الرجال الضعفاء، نادر الأحاديث المنكرة والشاذة، وإن كانت فيه مرسلة وموقوفة، فهو مع ذلك أولى منه".
ثالثاً: ومن مظنة الأحاديث الضعيفة: كتاب "الضعفاء" لابن حبان، و"الكامل" لابن عدي، وكُتُب الخطيب البغدادي، وأبي نعيم، والجورقاني، وابن عساكر، وابن النجار، والديلمي، وما شاكها في الأزمان المتأخرة.
وهذه الكتب وغيرها قصد مصنفوها بعد قرون متطاولة جمع ما لم يوجد في الكتب المقدمة، فكانت على ألسنة الوعاظ، وأهل الأهواء، والضعفاء.
ومَن أراد مطالعة الأحاديث الضعيفة، فلينظر إلى ما جمعه ابن الجوزي في كتابه: "العلل المتناهية"، وكذلك "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" و"ضعيف الجامع الصغير وزياداته" للألباني، وكذلك "موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة" لمجموعة من المؤلفين.



[1] حديث رقم (99) وضعفه الإمام الألباني وغيره.
[2] النكت على كتاب ابن الصلاح 1/487
[3] عن ابن ماجه، قال: عرضت هذه (السنن) على أبي زرعة الرازي، فنظر فيه، وقال: "أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع، أو أكثرها". ثم قال: "لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا، مما في إسناده ضعف، أو نحو ذا".
[4] السير 13/ 278
[5] اليواقيت والدرر 2/435
[6] فتح المغيث 1/115

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق