الخميس، 1 أغسطس 2019

الأضحية وأحكامها


الأضحية وأحكامها

 
نتذكر بذبحنا الأضاحي قصة إبراهيم الخليل -عليه السلام- التي فدى الله فيها إسماعيل ولده؛ وذلك أنه لما رأى في المنام -ورؤيا الأنبياء حق- أنه يذبح ولده، أراد أن ينفذ الأمر واستسلم هو وإسماعيل {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض؛ ليذبحه، فحرك السكين لكنها لم تقطع، قال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي: ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة، وقال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} أي: واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلاً عنه كبشاً عظيماً، فكأن ذبحنا للأضاحي يذكرنا بمشهد الاستسلام لله، والطاعة لله، وأن الله تعالى يكافئ العبد على طاعته.
*       *       *
 أخرج ابن جرير عن قَتَادَة في قوله تعالى: {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: صَلَاة الْأَضْحَى، والنحر نحر الْبُدْن.
وعن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ» متفق عليه.

والأضحية: هو ما يُذكى تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة.
حكمها: ذهب جمهور الفقهاء[1] إلى أن الأضحية سنة مؤكدة.
لكن اتفق الفقهاء على أن نَذْر التضحية يوجبها[2].
والأفضل أن يضحي بالإبل فالبقر فالغنم[3]، ولا تجزئ: من غير هذه الثلاثة.
وتجزئ: الشاة عن الواحد وعن أهل بيته وعياله[4]، وتجزئ: البدنة والبقرة عن سبعة[5].
وأقل ما يجزئ من الضأن: ما له نصف سنة.
ومن المعز: ما له سنة.
ومن البقر والجاموس: ما له سنتان.
ومن الإبل: ماله خمس سنين.
ولا تجزئ الأضحية المعيبة؛ فلا تجزئ بيَنة المرض، ولا تجزئ بيّنة العَوَرِ بأن انخسفت عينُها، ولا قائمةُ العينينِ مع ذهاب أبصارِهما؛ لأن العمى يمنَعُ مَشْيَها مع رفقتها، ويمنع مشاركَتَها في العَلَف، ولا عجفاءُ وهي الهزيلة التي لا مُخَّ في عظمها، ولا تجزئ عرجاء وهي التي لا تُطِيقُ مشياً مع صحيحةٍ، ولا تجزئ هَتْماءُ وهي التي ذهبتْ ثناياها من أصلِها، ولا عَصْمَاءُ وهي ما انكسر غلافُ قرنِها، ولا خصيٌّ مقطوع الذَّكَر، ولا عضباءُ وهي ما ذهب أكثر أذنِها أو قرنِها؛ لأن الأكثر كالكل[6].
وتجزئ الجَمَّاءُ في الأضحية وهي التي لم يخلق لها قرن، والبتراءُ وهي التي لا ذَنَبَ لها خِلْقَةً، أو مقطوعاً، والخَصِيُّ وهو ما قطعت خصيتاه، أو سُلَّتَا أو رُضَّتَا، وتجزئ الحامل، ويجزئ كذلك ما خُلق بلا أُذُنٍ، أو ذَهَبَ نصفُ أَلْيَتِهِ أو أذنه، لا أكثر.
ويسن نحر الإِبلِ قائمةً معقولةً يَدها اليُسْرى، فيطعنها بالحربةِ في الوَهْدَةِ التي بين أصل العُنق والصدر.
ويسن ذَبْحُ البقَرَ والغَنَم على جنبها الأيسرِ موجَّهة لِلقْبلَةِ، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}. وإن عكس الـمُذَكِّي فنَحَرَ البقر والغنم، أو ذبح الإبل فهو جائزٌ عند الجمهور[7].
ويسمِّي حينَ يحرّكُ يده بالفِعْلِ وجوباً[8]، ويكبِّر استحباباً، ويقول: "اللهُمَّ هذا مِنْكَ ولَكَ" فإن اقتصر على التسمية فقد تَرَكَ الأفضلَ، وأجْزَأ.
فإذا تيسر لك أن تذبح بيدك فهو أفضل؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا وكَّلْتَ غيرَت بالذبح فلا حرج.
ولا يحد السكين بحضرتها؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رجلًا أضجَعَ شاةً وهوَ يُحدُّ شَفرتَهُ، فقالَ النَّبيُّ: "أتريدُ أن تُميتَها مَوتاتٍ؟! هلَّا أحدَدْتَ شَفرتَكَ قبلَ أن تُضجِعَها"[9].
وقال: "وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" أخرجه مسلم 1955.
ويبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، أي أن أيام الذبح أربعة: يوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة بعده ؛ قال عليه الصلاة والسلام "كل أيام التشريق ذبح" صححه الألباني[10]، ولا تقبل الأضحية قبل هذا الوقت ولا بعده.
ثم تقطِّع لحمها كما قال ربك: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[11]، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[12] فيُستحب تثليثها: ثلث لك ولأهلك، وثلث لجيرانك وأقاربك وإخوانك، وثلث للفقراء والمساكين؛ فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وأطعموا وادخروا». رواه البخاري، والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وادخروا وتصدقوا». رواه مسلم.
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: الضحايا والهدايا ثلث لأهلك، وثلث لك، وثلث للمساكين[13].
وإذا جعلتها بينك وبين الفقراء نصفاً ونصفاً فلا بأس ولا حرج أيضاً.
ويجب أن يتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم، ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه.
ويحرم: بيع شيء من الأضحية حتى من شعرها وجلدها[14].
ولا يُعطي الجزار أجرته من الأضحية، وله إعطاؤه صدقة أو هدية، بعدما يعطيه أجرته.
وإذا دخلت العشر: حرُم[15] على من يُضحي أخذ شيء من شعره أو ظفره[16] إلى الذبح[17]، ويسن الحلق بعده[18].
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانَ له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فإذا أُهِلَّ هِلالُ ذِي الحِجَّةِ، فلا يَأْخُذَنَّ مِن شَعْرِهِ، ولا مِن أظْفارِهِ شيئًا حتَّى يُضَحِّيَ" أخرجه مسلم.




[1] ومنهم الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند مالك، وإحدى روايتين عن أبي يوسف، وهذا قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر.
وذهب أبو حنيفة إلى أنها واجبة. وهذا المذهب هو المروي عن محمد وزفر وإحدى الروايتين عن أبي يوسف. وبه قال ربيعة والليث بن سعد والأوزاعي والثوري ومالك في أحد قوليه.
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 76) وقال ابن تيمية: (ووجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلاً عن حوائجه) فتاوى 23/162. أي: يرى أنها واجبة على المستطيع.
[2] سواء أكان الناذر غنيا أم فقيرا، وهو إما أن يكون نذرا لمعينة نحو: لله علي أن أضحي بهذه الشاة، وإما أن يكون نذرا في الذمة لغير معينة لمضمونة، كأن يقول: لله علي أن أضحي، أو يقول: لله علي أن أضحي بشاة، فمن نذر التضحية بمعينة لزمه التضحية بها. الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 78)
[3] ذكراً كان أو أنثى.
[4] يدخل في أهل البيت: الزوجة والأولاد، وكذلك القريب إذا كان يسكن في البيت، وهو مشمول بنفقة رب البيت، أو يشتركان في النفقة ويجتمعان في المأكل والمشرب، أما من كان في بيت مستقل ، أو له نفقة مستقلة ، فلا يجزئ اشتراكه في الأضحية ، ويشرع له أضحية مستقلة.
[5] أو أقل، أقرباء كانوا أو أجانب، نووا كلهم الأضحية أو نواها بعضهم، كله جائز.
[6] وتجزئ الجَمَّاءُ في الأضحية، وهي التي لم يخلق لها قرن، والبتراءُ وهي التي لا ذَنَبَ لها خِلْقَةً، أو مقطوعاً، والخَصِيُّ وهو ما قطعت خصيتاه، أو سُلَّتَا أو رُضَّتَا، وتجزئ الحامل، ويجزئ كذلك ما خُلق بلا أُذُنٍ، أو ذَهَبَ نصفُ أَلْيَتِهِ أو أذنه، لا أكثر.
[7] الذبح يختلف عن النحر في أربعة أشياء:
الأول: أن الذبح مختص بالبقر والغنم، وما كان قصير الرقبة.
الثاني: أن المحل الذي يتم فيه الذبح هو ما بين الرأس والرقبة، وأما محل النحر فهو الوهدة، وهي المكان المنخفض الذي بين العنق والصدر، وتُسمى أيضاً اللبة.
الثالث: أن المقطوع في الذبح أربعة أشياء هي: الحلقوم والمريء والعرقان اللذان بينهما، ويسميان بالودجين، أما النحر، فإنه يكفي فيه طعن اللبة (الوهدة) التي بين الصدر والعنق، ولا يشترط قطع الأوداج.
الرابع: أن السنة في الذبح إلقاء الذبيحة على جنبها الأيسر عند الجمهور، لورود السنة بذلك، أما السنة في الإبل، فهي أن تكون معقولة الرجل اليسرى، قائمة على بقية قوائمها الثلاث.
للاستزادة:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/13939/
[8] أما متروك التسمية نسياناً فإنه حلال، وهذا قول جمهور العلم من السلف والخلف وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، أما الشافعية فالتسمية على الذبيحة سنة عندهم.
[9] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 7/359
[10] صحيح الجامع 4537
[11] البائس الفقير هو الفقير الذي اشتد فقره.
[12] القانع هو الفقير الذي لم يسأل تعففاً، والمعترَّ الذي يسأل لحاجته.
[13] وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه.
[14] وقال بعض أهل العلم: له أن يبيع صوفها ويتصدق بثمنه.
[15] التحريم مذهَبُ الحَنابِلة، ووجهٌ للشَّافعيَّة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ، واختارَه ابْنُ حَزْمٍ، وابنُ القَيِّم، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين.
[16] لا يمتنع عليه النِّساءُ والطيبُ واللِّباس.
[17] فإنْ أَخذَ شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته تابَ إلى الله تعالى، لوجوب التوبة من كل ذنب، ولا فدية عليه.
[18] يحرم حلق اللحية مطلقاً في العشر من ذي الحجة أو بعدها، وله أن يأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة على قول الجمهور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق