الأحد، 25 أغسطس 2019

هل يدخل " Mark Zuckerberg" الجنة ؟!


 هل يدخل " Mark Zuckerberg" الجنة ؟!



نشرت وكالة الأنباء (رويترز) – أن "مارك زوكربيرج" الرئيس التنفيذي لشركة "Facebook" وزوجته يعتزمان التنازل عن 99% من ثروتهما في أسهم "Facebook" لصالح مؤسسة خيرية جديدة يعملان على تأسيسها.
"زوكربيرج" يملك حاليا أسهم في شركة "Facebook" تبلغ قيمتها 46 مليار دولار أمريكي وسيتم التبرع بنحو 99% من هذه الأسهم.
ويَنْضَمُّ الرئيس التنفيذي لشركة "Facebook" للعديد من المليارديرات الأخرين مثل مؤسس شركة Microsoft  "بيل غيتس" الذي قرر التبرع أيضا بمعظم ثروته للأعمال الخيرية.
وبعد هذا الخبر .. جاءني أحد المصلين في المسجد وسألني سؤالاً جعلني أفكر في غربة هذا الدِّين وهذا العِلْم!
قال لي بعد أن أخبرني بخبر "الـمُتَصدِّق" مالك الفيسبوك: يا شيخ! هل "مارك زوكربيرج" بهذا التبرع يدخل الجنة؟!!
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
أيها الأحباب، لا بد أن يكون عندنا شيء من مبادئ العلم الشرعي ولا سيما التوحيد.
أيها الأفاضل إن من القواعد التي علمنا الله عز وجل أن الجنة محرمة على غير المسلمين، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران 85].
وهذا ما وضَّحَهُ النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كان مِن أصحابِ النارِ" رواه مسلم.
فأول ما ننظر إليه الإسلام، ولا ننظر إلى تبرعاته وأخلاقه و"إنسانيته"!، أول شيء التوحيد، فإن صلح صلح سائر عمله وإلا فلا.
ولكي يتضح لك حال صاحب "Facebook" عليك أن تنظر إلى "تبرعات" عبد الله بن جدعان التيمي القرشي: أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية، أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم قبل النبوة، وكانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب، فوقع فيها صبي، فغرق!
قال أمية بن الصلت حين خرج إلى ابن جدعان يطلب نائله، وفضله:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ
وأخبار ابن جدعان كثيرة منثورة في كتب التراجم والطبقات والأدب وغيرها.
ولما كان مشتهراً بهذا قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ! ابنُ جدعانِ كان في الجاهليةِ يصلُ الرَّحِمَ ويُطعِمُ المسكينَ، فهلْ ذاكَ نافعهُ؟ قال: "لا ينفعهُ! إنهُ لم يقُلْ يومًا: ربِّ اغفرْ لي خَطيئتي يومَ الدِّينِ" رواه مسلم.
أي: لم يَكُنْ يُؤمِن بالله ولا باليومِ الآخِرِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه لو أسْلَمَ لنَفَعَه ما عَمِلَه في الكُفرِ من الأعمال الصالحة.
فالكافر لن ينتفع بما أنفق حال كفر -إلا إن أسلم-، وتوضيح ذلك قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان 23].
قال ابن كثير: "وهذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال -التي ظنوا أنها منجاة لهم -شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ"[1].
وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم 18].
أي: مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم على شيء، فلم يجدوا شيئا، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة[2].
ومن أشد المصائب على أمثال هؤلاء، أنهم يحسبون أن هذه النفقات تنفعهم عند الله، بل هو استدراج وإمهال، كما يرى الظمآن السراب وهو يظن أنه ماء، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور 39].
أي: مثلهم في ذلك كالسراب الذي يُرى في القيعان من الأرض عن بُعد كأنه بحرٌ طامٌ، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء، حسبه ماء فقصده ليشرب منه، فلما انتهى إليه {لم يجده شيئا}، فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها، ونوقش على أفعاله، لم يجد له شيئا بالكلية قد قُبِلَ، إما لعدم الإخلاص، وإما لعدم سلوك الشرع[3].
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف 104].
وهذه الآية عامة في كل من عَبَدَ اللهَ على غير طريقةٍ مرضية يحسب أنه مصيبٌ فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود[4].
وإليك أخي هذا الحديث البَيـِّن الواضح الفاصل في المسألة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ لا يظلِمُ مؤمنًا حسنةً يُعطى بِها في الدُّنيا ويُجزى بِها في الآخرةِ، وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحسناتِ ما عمِلَ بِها للَّهِ في الدُّنيا، حتَّى إذا أفضى إلى الآخرةِ، لم يَكُنْ لهُ حسنةٌ يُجزَى بِها" رواه مسلم.
فيا ليت قومي يعلمون!


[1] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 103)
[2] نفس المصدر 4/ 487
[3] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 71)
[4] (5/ 202)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق