الخميس، 8 أغسطس 2019

أحكام الهَجْر


أحكام الهَجْر


عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ» [أخرجه البخاري (6077) ومسلم (2560)].
قال الإمام القاري -رحمه الله-: (رُخِّصَ للمسلم أن يغضب على أخيه ثلاث ليال لقِلّتِه، ولا يجوز فوقها، إلا إذا كان الهِجران في حق من حقوق الله تعالى، فيجوز فوق ذلك) [مرقاة المفاتيح (8/3146)].
حث الإسلام على التآلف بين المسلمين، وتجنب البغضاء والحسد والضغينة، وجعل الأصل في العلاقة بين المسلمين المودة والمحبة، وربط ذلك بالإيمان، فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
•تعريف الهجر:
الهَجْرُ والهِجْرَان: مفارقة الإنسان غيره، إمّا بالبدن، أو باللّسان.
•الترهيب من هجر المسلم:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» [أخرجه أبو داود (4914) وصححه الألباني].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» [أخرجه أبو داود (4915) وصححه الألباني].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» [أخرجه مسلم (2565)].
للهَجْر صورٌ باعتبار الشخص المهجور، وهي:
1-الهجر بين المسلمين: عَدَّ ابنُ تيميةَ وابنُ حجر الهَيْتَمي هجْرَ المسلمِ أخاه فوق ثلاثٍ من الكبائر، لما فيه من التقاطع والإيذاء والفساد، وثبوت الوعيد عليه في الآخرة، أما هجرة المسلم لأخيه مدة ثلاث، فجماهير الفقهاء على إباحتها اعتباراً لمفهوم المخالفة.
وقال جمهور الفقهاء: السَّلام يقطع الهَجْرَ ويرفع الإثم ويُزيله.
2-الهجر بين الزوجين: للزوج تأديب زوجته إذا نشزت (النشوز: خروج الزوجة عن الطاعة الواجبة للزوج) بأمور منها: هجرها في المضجع، لقول الله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [سورة النساء: 34]، وينقضي جواز هجرها بانقضاء نشوزها.
3-هجر أصحاب المعاصي: قال الإمام أحمد -رحمه الله-: (إذا عَلِم أنه مقيم على معصية، وهو يعلم بذلك، لم يأثم إن جَفاهُ حتى يرجع) [الآداب الشرعية (1/229)].
وقال الإمام البغوي -رحمه الله-: (فأما هِجران أهل العصيان والرَّيْبِ في الدين، فشُرِعَ إلى أن تزول الرِّيبَةُ عن حالهم وتظهر توبتهم) [شرح السنة للبغوي (13/101)].
وقيَّده الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله- بالمصلحة، فقال: "وأما أهل المعاصي فإن كان في هجرهم فائدة فاهجرهم، والفائدة أن يقلعوا عن معصيتهم، وإن لم يكن في هجرهم فائدة فهجرهم حرام؛ لأنهم من المؤمنين" [شرح رياض الصالحين 2/594].
4-هجر أصحاب البدع:
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: "والأمر في هجر المبتدع ينبني على مراعاة المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، وعلى هذا تتنزل المشروعية من عدمها، كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع" [حلية طالب العلم (169)].
5-هجر الكافر: أما هجر المسلمُ لغير المسلم، فيجوز أن يكون فوق ثلاث؛ لأن المراد بالأخوة في الحديث السابق أخوة الإسلام. [الموسوعة الفقهية الكويتية (42/170)].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق