الأحد، 11 أغسطس 2019

أحكام العيد وصلاة العيد


أحكام العيد وصلاة العيد


العيد لغة: مشتق من العَوْد، وهو الرجوع وَالْمُعَاوَدَةُ لأنه يتكرر.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، وهو يومان: يوم الفطر من رمضان وهو أول يوم من شوال، ويوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، ليس للمسلمين عيد غيرهما[1].
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، قال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهِلِيَّةِ، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «قد أبْدَلَكُم الله خيراً منهما: يَوْمَ الأضْحَى، ويومَ الفِطْرِ». أخرجه أبو داود والنسائي.
أي: إنَّ احتِفالَكم مِن اليومِ بالفِطرِ والأَضْحَى، واتْرُكوا ما دونَ ذلك؛ فهُما خيرٌ لكم مِن شَعائرِ الجاهليَّةِ، وهذا كأنَّه نَهْيٌ عن الاحتفالِ بالأعيادِ الجاهليَّةِ، وتوجيهٌ للمُسلِمين إلى شَعائرِ الإسلامِ.
وقد أباح الشَّرعُ اللَّعِبَ فيهما؛ وهذا دليلٌ على أنَّ في الدِّينِ فُسْحةً للنَّاسِ، ولكنَّه لَعِبٌ لا يُغضِبُ اللهَ، ومع ذلك فيَظهَرُ في العيدَيْنِ تَكْبيرُ اللهِ تعالى وتحميدُه وتوحيدُه ظُهورًا شائعًا يَغيظُ المشرِكين، وقيل: إنَّهما يَقَعانِ شُكرًا للهِ على ما أنعَمَ به مِنْ أداءِ العباداتِ الَّتي وقَّتَها؛ فعِيدُ الفِطرِ يقَعُ شُكرًا للهِ على إتمامِ صومِ رمضانَ، وعيدُ الأَضْحَى يَقَعُ شكرًا للهِ تعالى على العباداتِ الواقعةِ في العَشْرِ، وأعظمُها إقامةُ شَعِيرةِ الحجِّ[2].
* * *
حُكم صلاة العيد:
صلاة العيد فرض كفاية -على الصحيح-، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركت من الكل أثم الجميع؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم عليها، وكذلك أصحابه من بعده.
وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها حتى النساء، إلا أنه أمر الحُيَّض باعتزال المصلى، وهذا مما يدلُّ على أهميتها، وعظيم فضلها؛ لأنه إذا أمر بها النساء مع أنهن لسن من أهل الاجتماع فالرجال من باب أولى. ومن أهل العلم مَنْ يُقَوِّي كونها فرض عين[3].
ومن شروط انعقادها:
أن تكون في وقتها: وهو من بعد ارتفاع الشمس قيد رمح (ربع ساعة تقريباً) إلى وقت الزوال - كصلاة الضحى-.
وأن تكون في قرية، فليس على أهل البادية صلاة عيد، ولا على المسافر.
وحضور أربعين، وقيل يكفي ثلاثة وهو الصحيح.
صفة صلاة العيد:
وصفتها: ركعتان قبل الخطبة لقول عمر: (صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى)[4].
يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ ستاً، وفي الثانية قبل القراءة خمساً، غير تكبيرة القيام. لحديث عائشة مرفوعاً: (التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع)[5]، ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان يرفع يديه مع التكبير)[6]، ثم يقرأ بعد الاستعاذة جهراً بغير خلاف، ويقرأ الفاتحة، وفي الأولى بسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية بالغاشية لقول سمرة: (كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العيدين (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)[7]، وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ في الأولى بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وفي الثانية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)[8].
فيراعى الإتيان بهذا مرة، وهذا مرة، عملاً بالسنة، مع مراعاة ظروف المصلين، فيأخذهم بالأرفق.
ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة -باتفاق المذاهب الأربعة-؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة) متفق عليه.
والخطبتان سُنَّةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة، فلا ضير على المصلي أن لا يحضرها.
فعن عبد الله بن السائب -رضي الله عنه- قال: شهِدتُ العيدَ مع النَّبيِّ فلمَّا قضى الصلاةَ قال : "إنَّا نخطُبُ فمَن أَحبَّ أن يَجلسَ للخُطبةِ فليجلسْ ومَن أحبَّ أنْ يذهبَ فليذهبْ" صحيح أخرجه أبو داود.
ويُستحبُّ للخطيب أن يُعلِّمَ الناسَ أحكامَ العيدِ، فيَعظَهم ويُوصِيَهم بالصَّدقاتِ، وفي عيدِ الأضحى يُعلِّمهم أحكامَ الأُضحيةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة، وكذلك تعليم الناس ما يشكل عليهم وما يحتاجونه مما هو في زمانهم ومكانهم، وتكون للنساء فيها نصيب؛ لأنهن في حاجة لذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ويسن أن تُصلى في الصحراء خارج البنيان؛ لحديث أبي سعيد: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى)[9]، والقصد من ذلك -والله أعلم- إظهار هذه الشعيرة، وإبرازها. ويجوز صلاتها في المسجد الجامع، مِنْ عذر كالمطر والريح الشديدة، ونحو ذلك[10].
ويسن تعجيل الأضحى في أول وقتها، وتأخير الفطر؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأن الناس في حاجة إلى تعجيل الأضحى لذبح الأضاحي، وهم في حاجة إلى امتداد وقت صلاة الفطر ليتسع لأداء زكاة الفطر.
ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وألا يطعم يوم النحر حتى يصلي، لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر على تمرات يأكلهن وتراً[11]، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي[12].
ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الصبح ماشياً؛ ليتمكن من الدنو من الإمام، وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة.
ويسن أن يتجمل المسلم، ويغتسل، ويلبس أحسن الثياب، ويتطيب.
وتسن مخالفة الطريق، فيذهب إلى العيد من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم عيد خالف الطريق)[13].
ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً يوم العيد، بأن يقول لغيره: تَقَبَّلَ الله منا ومنك صالح الأعمال، فكان يفعله أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع إظهار البشاشة والفرح في وجه من يلقاه.



[1] الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 114)
[2] https://dorar.net/hadith/sharh/28147
[3] الفقه الميسر ص102
[4] رواه أحمد (1/ 37)، والنسائي (1/ 232)، والبيهقي (3/ 200)، وهو صحيح، انظر إرواء الغليل (3/ 106).
[5] رواه أبو داود برقم (1149)، وهو صحيح، انظر إرواء الغليل (3/ 286).
[6] رواه أحمد (4/ 316)، وحسنه الألباني (الإرواء برقم 641).
[7] رواه أحمد (5/ 7) وابن ماجه برقم (1283)، وصححه الألباني (الإرواء برقم 644).
[8] أخرجه مسلم برقم (891).
[9] متقق عليه: البخاري برقم (956)، ومسلم برقم (889).
[10] الفقه الميسر ص102
[11] أخرجه البخاري برقم (953).
[12] أخرجه الترمذي برقم (542)، وابن ماجه برقم (1756)، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجه رقم 1422).
[13] أخرجه البخاري برقم (986).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق