الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

الكَسْبُ الـحَـلَالُ


الكَسْبُ الـحَـلَالُ


قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: (يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن الـمَتَاجِر المشروعة التي تكون عن تراضٍ من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال).
من رحمة الله بعباده أن بـيَّن لهم ما يحل لهم ويحرم عليه في ما يكتسبون من الأموال، سواء كان ذلك في الزراعة أو الصناعة أو التجارة، واعلم أن الله لا يحرّم شيئاً إلا ومفسدته أكبر من منفعته، ولا يُحل شيئاً إلا ومنفعته أكبر من مفسدته.

•أهمية معرفة أحكام:
يجب على المسلم معرفة ما يحل له وما يحرم عليه في بيعه وشرائه وغير ذلك من أنواع التجارات؛ لأن التقصير في ذلك يؤدي إلى الوقوع في المعاملات المحرمة من حيث لا يدري، قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-: (لاَ يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ) [أخرجه الترمذي (487) وحسنه الألباني].
قال الشيخ أحمد محمد شاكر -رحمه الله- معلقاً على الأثر السابق: (نعم، حتى يعرف ما يأخذ وما يدع، وحتى يعرف الحلال والحرام، ولا يُفسد على الناس بيعهم وشراءهم بالأباطيل والأكاذيب، وحتى لا يُدخِل الربا عليهم من أبواب قد لا يعرفها المشتري، وبالجملة: لتكون التجارة تجارة إسلامية صحيحة خالصة، يطمئن إليها المسلم وغير المسلم، لا غش فيها ولا خداع) [تعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي (2/ 357)].

•أفضل أنواع الكسب:
عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» [أخرجه أحمد (17265) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (607)].
قال الأمير الصنعاني -رحمه الله-: ("أطيب الكسْب" أَي: أفضل طرق الِاكْتِسَاب، "عمل الرجل بِيَدِهِ" لِأَنَّهُ سنة الْأَنْبِيَاء كَانَ دَاوُد يعْمل السَّرْد [صناعة الدروع]، وَكَانَ زَكَرِيَّا نجاراً، "وكل بيع مبرور" أَي: لَا غش فِيهِ وَلَا خِيَانَة) [التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 166].
ولأن كسب الرجل من عمل يده فيه إكرام النفس عن ذُلّ السؤال، وعن ذُلّ الرَّد إذا لم يُعْطَ؛ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» [أخرجه البخاري (1470) ومسلم (1042)]

•الكسب الحلال سبب لقبول الدعاء:
الكسب الحلال سبب لإجابة الدعاء، والكسب الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» [أخرجه مسلم (1015)].
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: (وأما ما يمنع إجابة الدعاء، فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه التوسع في الحرام أكلا وشربا ولبسا وتغذية ... وأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء) [جامع العلوم والحكم (1/275)]. 

•تجنُّب الشُّبُهات:
قد تَعْرِض للمسلم في معاملاته المالية بعض المعاملات التي تُشكِل عليه؛ فلا يدري أهي من الكسب الحلال أم هي من الكسب الحرام؟
فالواجب عليه حينئذ التوقف فيها حتى يسأل أهل العلم، أو يتوَرَّع عن تلك المعاملات؛ لأن الإقدام على تلك الشبهات طريقٌ إلى الوقوع في الحرام الواضح البـَيِّن.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ» [أخرجه البخاري (2051) ومسلم (1599)].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق