الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

إِنَّ اللهَ ‌لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ

 إن الله ليؤيد هذا الدِّين بالرجل الفاجر

مما يحتمه علينا واقعنا اليوم، وانتشار المسلمين في مختلف القارَّات، أن نتعلم فقه التعامل مع نوع خاص من الناس، وهم: غير المسلمين الذين يدافعون عن المسلمين وحقوقهم.

فأولئك لهم أيادٍ بيضاء في الدفاع عن قضايا المسلمين المختلفة، ولهم كتابات متنوعة، ومناصرات مشهودة، ولا أريد أن أُسمي أحداً بعينه على قيد الحياة، ولكن سأذكر شخصيات ماتت وقد أنصفت الإسلام والمسلمين، منهم:

- المستشرق الإنجليزي الشهير جورج برنارد شو، فإنه من أشهر الغربيين الذين أنصفوا الإسلام خلال القرون الماضية، وله كتاب اسمه: "محمد"، أحرقته السلطات البريطانية خوفًا من تأثيره.

- كذلك الروسي ليو تولستوي -أحد عمالقة الروائيين وأحد المصلحين الاجتماعيين- له كتابه اسمه: "حِكَم النبي محمد"، دافع فيه عن الإسلام في مواجهة التزوير والتلفيق اللذين لَحِقَا بالإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم على يد جمعيات المبشرين في "قازان" في روسيا.

ومن هؤلاء اليوم أعداد ليست بالقليلة على الصعيد الإعلامي والسياسي والاجتماعي ... إلخ، فتجد منهم عُمدةً في مدينةٍ ما يُعطي المسلمين كامل حقوقهم وحرياتهم الدينية، وآخر في الإعلام يدفع التشويه المضلل حول الإسلام والمسلمين ويبرئ ساحتهم في أحداث عديدة، وآخرون يناصرون الفلسطينيين في المحافل الدولية، وغيرهم ممن يضم اللاجئين المسلمين في ديارهم ... وهكذا.

فيتساءل كثير من المسلمين: ما موقفنا من هؤلاء؟ وكيف نتعامل معهم؟ وما مصيرهم في الآخرة كونهم نصروا دين الله؟

ومع غياب الأجوبة وضبابيتها فقد يحدث تصادم وانشقاقات فكرية وعقدية بين المسلمين أنفسهم، لذلك لا بد من بيان حقيقة الحال والمآل.

أولاً: التعامل مع غير المسلمين مفصَّل في سورة الممتحنة، فغير المسلمين إما مسالمون أو محاربون، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8-9] 

فكما ترى أن الله تعالى أباح لنا حسن التعامل مع الصنف الأول بِراً وعدلا، ونهانا عن تولى الصنف الثاني الذين يحاربوننا، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وعن سبب نزول هذه الآية قال ابن عباس: "نَزَلَتْ في خُزاعة، كانوا قد صالَحوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم على أن لا يُقاتلوه ولا يُعِينوا عليه أحدًا، فرخّص الله في بِرِّهم"[1].

وليست الآية خاصة في خزاعة، بل في كل مَن شابههم، هذا على الصعيد الاجتماعي أو إن شئت فقُل: "على الصعيد الدولي".

أما على الصعيد الشخصي فيتبين من حادثة أسماء بنت أبي بكر الصديق مع أمها المشركة "الـمُسالِـمة"، فعن عبد الله بن الزّبير قال: قَدمتْ قُتَيْلة ابنة عبد العُزّى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا؛ ضِباب، وأَقِطٍ، وسمْن، وهي مُشركة، فأبتْ أسماءُ أن تَقبل هدّيتها، أو تُدخلها بيتها، حتى أرسلتْ إلى عائشة: أنْ سَلِي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأَلتْه؛ فأنزل الله: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلى آخر الآية، فأمَرها أن تَقبل هديّتها، وتُدخلها بيتها[2].

ولا يمنع من تعدد أسباب النزول عند المفسرين، أو نزول الآية لعدة أسباب.

هذا من حديث التعامل الظاهر، وليست المحبة القلبية.

ثانياً: لا بد من الاعتقاد الجازم أن الإنسان لن ينال رضى الله سبحانه إلا بالتوحيد، وعدم الشرك، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيما يأمر وينهى.

أما غير ذلك فلن يكون له شفيعاً عن الله تعالى، لا أخلاق حسنة، ولا مناصرة المسلمين ولا تبرعات ولا ولا ولا ... إلخ.

وخير ما يدل على ذلك حادثتان: (الأولى دفاعٌ عسكري، والأخرى دفاعٌ اجتماعي!)

الأولى: ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قَالَ: "شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم [غزوة] خَيْبَرَ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الَّذِي قُلْتَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ ‌لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ".

فهذا الرجل قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله عز وجل، ودافع عن دينه، مع ذلك .. لم يشفع له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّلَ ذلك بقوله: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ".

الحادثة الثانية: قصة دفاع أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن دفاعه دام سنوات باستماتة، وحب وشهامة، ففي الصحيحين من حديث المسيب بن حزن: "أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ ‌مِلَّةِ ‌عَبْدِ ‌الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ، حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى ‌مِلَّةِ ‌عَبْدِ ‌الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}".

فلما مات أبو طالب جاء ولده عليٌّ -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عَمَّك الشيخَ الضالَّ قد مات، قال: "اذهبْ فَوارِ أباكَ" رواه أبو داود بإسناد حسن.

ولم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم دفنه، ولم يصلِّ عليه.

فيتلخص مما سبق:

أن هؤلاء الذين يُدافعون عن الإسلام والمسلمين أو على الأقل -مسالمون-، يُشكرون على ما بذلوا، ويُدعونَ إلى الدخول في دين الله تعالى؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمّه أبي طالب.

فإن مات هؤلاء فلا يُدعى لهم بالرحمة والمغفرة، ولا يُصلى عليهم، ولا يُدفنون في مقابر المسلمين، كما حصل مع أبي طالب، فقد نهى الله تعالى عن الدعاء له، ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

 



[1] موسوعة التفسير المأثور (21/ 551).

[2] موسوعة التفسير المأثور (21/ 551).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق