"ما أصر من استغفر ولو عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة"
هذا الحديث أخرجه أبو داود في
"سننه"[1]،
والترمذي في "سننه"[2]،
والبزار في "مسنده"[3]،
من حديث: عثمان بن واقد العمري، عن أبي نصيرة، عن مولى لأبي بكر الصديق، عن أبي
بكر الصديق به.
وسكت عنه أبو داود، وقد
قال في رسالته لأهل مكة: "كل ما سكتُّ عنه فهو: صالح".
وقال الترمذي: "هذا
حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة، وليس إسناده بالقوي".
وقال البزار: وهذا
الحديث لا نحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه إلا عن أبي بكر
بهذا الطريق، وأبو نصيرة ومولى
أبي بكر فلا يُعرفان.
قلت: عثمان بن واقد، وثقه
ابن معين، وقال ابن حجر: "صدوق، ربما وهم"، ومولى أبي بكر: مجهول.
أما أبو نصيرة فقد
عرفه غير البزار، كأبي حاتم الرازي[4]،
ووثقه أحمد، وقال ابن معين: صالح[5].
وقال ابن حبان: مسلم
بن عبيد أبو نصيرة الواسطي الدمشقي، كان يخطئ على قلة روايته[6].
قال الزيلعي [ت ٧٦٢]: "ولكن
جهالة مثلِهِ [مولى أبي بكر] لا تضر؛ لأنه تابعي كبير، وتكفيه نسبته إلى أبي بكر
الصديق، فالحديث حسن، والله أعلم"[7].
وهذه العبارة بحروفها
قالها الحافظ ابن كثير [ت ٧٧٤] في تفسيره[8]،
فلا أدري أيهما نقل عن الآخر، فالحديث حسنٌ عندهما.
قال الشيخ أبو إسحاق
الحويني -حفظه الله-: "فهذا كلام غريب، ويتعجب أن يصدر من مثل الحافظ ابن
كثير؛ لأنه مخالف لأصول أهل الحديث من أن مجهول الحال لا تثبت بخبره حجة، فضلاً عن
مجهول العين، ومولى أبي بكر رضي الله عنه لا يُعرف مَن هو أصلاً، ونسبته لأبي بكر
لا تنفعه، وإن تجوز الحافظ ابن كثير رحمه الله في هذا خلافاً للقاعدة، ومما
يُستغرب أيضاً أن ينقل الشيخ العلامة المحدث أبو الأشبال رحمه الله قول الحافظ ابن
كثير في تعليقه على تفسير الطبري ويقره عليه، ولا يتعقبه، وهذا من الأدلة الكثيرة
على تسامح الشيخ أبي الأشبال يرحمه الله"[9].
قلت: بل هو الواقع عند أهل الحديث، كما قال
السخاوي: "ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض فيه الصحابة وكبار
التابعين ضعيفٌ، إلا الواحد بعد الواحد كالحارث الأعور والمختار الكذاب"[10].
وحسنه ابن مفلح
الحنبلي في "الآداب الشرعية" وقال: "وهو حديث حسن، ومولى أبي بكر
لم يسم، والمتقدمون حالهم حسن"[11].
وقد حسن الحديث أيضاً:
ابن حجر[12]،
والعيني[13]
في شرحيهما على البخاري، فهؤلاء خمسة، فالقول بتحسين هذا الحديث له وجه.
وله شاهد من حديث ابن
عباس عند الطبراني في "الدعاء"[14]،
قال: حدثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا أبو شيبة،
عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس به.
ورجح الشيخ الألباني
أن أبا شيبة المذكور في الإسناد هو: إبراهيم بن عثمان الكوفي قاضي واسط، بعدما كان
يظنه الثقة: "أبا شيبة، سعدويه".
قال الشيخ: "ثم
شككت في كون أبي شيبة هذا هو سعيد بن عبد الرحمن المذكور [سعدويه]، وذلك لأنهم وإنْ
ذكروا له [لسعدويه] رواية عن ابن أبي مليكة؛ فإنهم لم يذكروا في الرواة عنه سعيد بن
سليمان الواسطي، بل ذكره الحافظ المزي في الرواة عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان
الكوفي قاضي واسط، فترجح عندي أنه هو صاحب هذا الحديث لغرابته".
قلت: ولم يذكروا في
مشايخ إبراهيم بن عثمان الكوفي قاضي واسط ابن أبي مليكة، فلم يستقم له على هذا
المسلك!
فقال الشيخ الألباني
بعد ذلك: "وعلى ذلك فإسناد الحديث ضعيف جداً؛ لأن إبراهيم هذا شديد الضعف
متروك الحديث؛ كما قال النسائي وغيره، فهو لا يصلح شاهداً لحديث أبي بكر الصديق"[15].
وفي الحقيقة ليس كما
ذهب إليه الشيخ الألباني بأن أبا شيبة هو: إبراهيم بن عثمان الكوفي قاضي واسط،
إنما هو: يزيد بن معاوية أبو شيبة الخراساني؛ فإن ابن أبي الدنيا أخرج هذا الإسناد
-والمتن بمعناه- وبَيـَّن نِسبة أبي شيبة، فقال: حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن
أبي شيبة الخراساني، ثنا ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار"[16].
ويزيد بن معاوية أبو
شيبة الخراساني، سكن مكة، وروى عن ابن أبي مليكة وغيره، وروى عنه: سعيد بن سليمان
الواسطي وغيره، قال أبو حاتم: "منكر الحديث، ليس بالقوى"، وقال أبو
زرعة: "صالح"، وقال الذهبي: "أتى بخبر منكر" فذكر هذا الحديث،
فهو حديث منكر[17].
فالذي يظهر لي والله
أعلم أن حديث أبي بكر حديثٌ حَسَنٌ.
[1] سنن أبي داود (2/ 625 ت الأرنؤوط): 1514.
[2] سنن الترمذي (5/ 523): 3559.
[3] مسند البزار = البحر الزخار (1/ 205).
[4] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/ 188).
[5] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/ 188).
[6] الثقات لابن حبان (5/ 399).
[7] تخريج أحاديث الكشاف (1/ 227).
[8] تفسير ابن كثير - ت السلامة (2/ 125).
[9] النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة (1/ 68 بترقيم الشاملة آليا).
[10] المتكلمون في الرجال (ص96).
[11] الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 87).
[12] فتح الباري لابن حجر (1/ 112 ط السلفية).
[13] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 277).
[14] الدعاء - الطبراني (ص507): 1797.
[15] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (9/ 458).
[16] التوبة لابن أبي الدنيا (ص132): 173.
[17] أفاده: أبو عمرو ياسر بن محمد فتحي آل عيد، في كتابه: فضل الرحيم
الودود تخريج سنن أبي داود (18/ 414).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق