السبت، 4 مايو 2024

حديث التيمم مع وجد الماء - رواية ودراية

 حديث التيمم مع وجود الماء - رواية ودراية


قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ‌يخرج ‌فيبول ‌ثم ‌يمسح ‌بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: "ما يدريني لعلي لا أبلغه".


خلاصة معنى الحديث:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يبول، ثم يسرع فيتيمم، مع أن الماء قريب منه، ولكنه يرفع الحديث بالتيمم خوفاً من حلول الأجل وهو على غير طهارة.

وينبني على هذا الحديث مسائل، من أهمها:

هل يجوز التيمم بحضرة الماء، وليس هناك ضرر باستعماله ؟

ظاهر الحديث يدل على الجواز.


تخريج الحديث:

أخرجه ابن المبارك في "الزهد"[1] قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن حنش [بن عبد الله الصنعاني]، عن ابن عباس به.

ومن طريق ابن المبارك أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، قال: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، أخبرنا ابن لهيعة به[2].

كذلك أخرجه عن موسى بن داود، قال: حدثنا ابن لهيعة به[3].

وأخرجه أحمد في "المسند"[4] والطبراني في "الكبير"[5] من حديث يحيى بن إسحاق السيلحيني، ثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن الأعرج، عن حنش به.

فزاد السيلحينيُّ في الإسناد "عن الأعرجَ"، قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "زيادة يحيى بن إسحاق في الإسناد (عن الأعرج) بين عبد الله بن هبيرة وبين حنش الصنعاني أكبر الظن أنه خطأ، فإن الحديث رواه ابن المبارك عن ابن لهيعة كرواية موسى بن داود ليس فيه (عن الأعرج)".

والحديث مداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث، إلا أنها من رواية عبد الله المبارك، وقد قال عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن عبد الله بن لهيعة فهو صحيح؛ ابن المبارك، وابن وهب، والمقري[6].

وهذه القاعدة غير متفق عليها ولا مسلَّمٌ بها؛ فبعضهم رأى أن كل ما في الأمر أن رواية العبادلة أحسن حالاً مما رواه غيرهم، وكلٌ ضعيف، لذا جاءت عبارة ابن حجر دقيقة في هذا الشأن، قال: "ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما"[7].

بل بعض الأئمة النقاد تركوا حديثه جملةً، يقول ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن سماع القدماء من ابن لهيعة؟ فقال: كله سواء الأول والآخر، لكن ابن وهب يتتبع أصوله فيكتب منها وكذلك عبد الله بن المبارك، أما البقية فكانوا يأخذون من تلك النسخ عنه[8].

وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: إذا كان مَن يروي عن ابن لهيعة مثل: ابن المبارك، وابن وهب يحتج به؟ قال: لا![9].

وما أحسن ما قاله ابن حبان: "وجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه؛ لما فيها من الأخبار المدلسة عن الضعفاء والمتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مما ليس من حديثه"[10].

وسُئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث فقال: "لا يصح هذا الحديث، ‌ولا ‌يصح ‌في ‌هذا ‌الباب حديث"[11].

وقد ضعفه: الحافظ العراقي[12]، والهيثمي[13]، وابن حجر[14]، وغيرهم.

تنبيه: قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة": "وهذا إسناد ضعيف جداً؛ رجاله ثقات غير حنش هذا، واسمه الحسين بن قيس الرحبي، وهو متروك، كما في "التقريب"، وهو إنما يروي عن ابن عباس بواسطة عكرمة، فهو منقطع أيضا إلا أن يكون سقط من الناسخ أو الطابع قوله: "عن عكرمة"، والله أعلم"[15].

قلت: إنما هو حنش الصنعاني وليس الرحبي كما قال الشيخ الألباني، والصنعاني له رواية عن ابن عباس كما في "تهذيب الكمال"، وروايته عنه عند الترمذي وابن ماجه[16]، والعجيب أن الشيخ الألباني صحح هذا الحديث نفسه في السلسلة الصحيحة وذكر أن الرواي هو: هو ابن عبد الله الصنعاني[17].


درجة الحديث:

وعلى كل حال فالحديث ضعيف كما تقدم بيانه.



[1] الزهد والرقائق - ابن المبارك - ت الأعظمي (ص98): 292. وأخرجه الإمام أحمد من طريقه في "المسند": 2614، 2764.

[2] مسند أحمد (4/ 374 ط الرسالة): 2614.

[3] مسند أحمد (4/ 488 ط الرسالة): 2764.

[4] مسند أحمد (4/ 488 ط الرسالة): 2764.

[5] المعجم الكبير للطبراني (12/ 238): 12987.

[6] [تهذيب التهذيب (5/ 378)]

[7] تقريب التهذيب (ص319).

[8] [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 147)]

[9] [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 147)]

[10] [المجروحين لابن حبان (2/ 13)]

[11] العلل لابن أبي حاتم (1/ 542 ت الحميد).

[12] تخريج أحاديث الإحياء = المغني عن حمل الأسفار (ص1638)، و(ص1831).

[13] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 263) قال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف".

[14] المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (2/ 436).

[15] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (4/ 139).

[16] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (15/ 157).

[17] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 266).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق