الاثنين، 13 يناير 2020

شرح البيقونية (المقدمة)

شرح البيقونية (1) (المقدمة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .. أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى أنزل كتابه الحكيم هداية ونورا يضيء للناس سبل السعادة والسلام في دنياهم وآخرتهم، وجعله معجزة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم الدين، ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [سورة النحل الآية: 44]، أي: فتفصل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل.
ولذلك قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن؛ قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [سورة النساء الآية: 105].
فصار الكتاب والسنة ركيزتا هذه الملة، حيث العقائد توجد فيهما، والأحكام تستنبط منهما، والاعتماد عند كل نازلة وخلاف عليهما، كما قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء الآية: 59] أي: فردوه إلى كتابه، وإلى الرسول مدة حياته، وبعد مماته إلى سنته.
فمن فجر الإسلام والمسلمون يهتمون بالوحيين اهتماما فائقا؛ لما مر من النصوص، وغيرها في القرآن الكريم، ولما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في سنته بذلك، فقال: "بلغوا عني ولو آية". والمراد: بلغوا عني كل ما جئت به، آية مثلا أو حديثا.

فأما القرآن فقد تكفل الله عز وجل بحفظه من التبديل والزيادة والنقصان؛ كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر الآية: 9]، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا.
وأما الحديث فحفظه موكول بهذه الأمة؛ "لذلك عنيت الأمة الإسلامية بالحديث النبوي، فأوعته حوافظها الفذة، وبذلت من أجله أعظم الجهد، وحاز حديث النبي صلى الله عليه وسلم من الوقاية والمحافظة ما لم يكن قط لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في الشؤون كلها العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه ويقظته ومنامه وقيامه وقعوده، حتى ليدرك من يتتبع كتب السنة أنها ما تركت شيئا صدر عنه صلى الله عليه وسلم إلا روته ونقلته"
ثم وضع المسلمون للرواية قوانين تحقق ضبط الراوي للحديث، وتكلموا في الرجال، وذلك ليتميز المقبول فيعمل به، من غير المقبول، ومن هنا نشأ "علم مصطلح الحديث".
وتطورت قواعد هذا العلم على مر السنين، فانتقل من كونه قواعد شفوية إلى مسائل ضمن المصنفات إلى كتب مستقلة، إلى نضوج هذا العلم على زمن أبي عمرو ابن الصلاح (ت 643 هـ).
فألف كتابه المشهور "علوم الحديث" المعروف بمقدمة ابن الصلاح، فصار هذا الكتاب قطب رحى علم المصطلح، والناس في فلكه يدورون؛ شرحا واختصارا ونظما ونقدا.
ولا تزال الأمة الإسلامية تعتني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من جميع جوانبه، إلى زماننا هذا؛ إضافة وابتكارا وشرحا واختصارا.
والبيقوني ممن ألّف في علم المصطلح، ألَّف منظومة لطيفة في أربعة وثلاثين بيت، جمع فيها اثنين وثلاثين نوعاً من أنواع مصطلح الحديث، نالت عناية العلمان وطلاب العلم، فكثرت شروحها منذ زمن المؤلف إلى زماننا هذا.
والبيقوني لا يكاد يُعرف، فغاية ما قال فيه الزركلي في الأعلام (5/ 64):
(عمر (أوطه) بن محمد بن فتوح البيقوني: عالم بمصطلح الحديث، دمشقي شافعيّ، اشتهر بمنظومته المعروفة باسمه " البيقونية - ط " في المصطلح. شرحها محمد بن عثمان الميرغني وغيره. وله " فتح القادر المغيث - خ " في طوبقبو، في الحديث).
ونحسب أن صدق نيته من أسباب اشتهار منظومته -والله حسيبه-.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق