الثلاثاء، 28 يناير 2020

شرح البيقونية (5) الحديث الحسن


الحديث الـحَسَن
5 - والَحسَنُ المعروفُ طُرْقاً وَغَدَتْ ... رِجَالُهُ لاَ كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ
الحديث الحسن هو في الشروط كالحديث الصحيح، إلا أن رواته أقل مرتبة في الحفظ من رواة الصحيح.
مثاله: حديث أخرجه الإمام أبو داود في سننه[1]، قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الْحَصَى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ». وهذه سُنَّةٌ تقريرية.

رجال هذا الإسناد كلهم ثقات، إلا محمد بن عمر بن علقمة بن وقاص الليثي، فقد قال فيه ابن حجر: "صدوقٌ له أوهام".
قال ابن الصلاح: "محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكن لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن".
فهذا الحكم يجعل كل إسناد فيه هذا الراوي بمرتبة الحديث الحسن -إن كان البقية ثقات أو في منزلته-.
ثم إن الحكم على الحديث بأنه حَسن يتطلب نظرة ثاقبة من الإمام الناقد؛ لأن واضع الحديث بهذه المرتبة كمن يضبط الميزان على درجة معينة؛ لأنها درجة دقيقة بين الصحيح والضعيف.
قال الإمام الذهبي: "لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد: فيوما يصفه بالصحة، ويوما يصفه بالحسن، ولربما استضعفه!"[2].
وقال ابن كثير: "وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر، لا في نفس الأمر، عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة، وذلك لأنه أمر نسبي، شيء ينقدح عنه الحافظ، ربما تقصر عبارته عنه"[3].
مسألة: إذا تعددت طُرق الحديث الحسن، فإنه يرتقي إلى درجة الصحيح، ليس في درجة الصحيح لذاته المتقدم ذكره، ولكن في درجة الصحيح لغيره.
قال ابن الصلاح: "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح"[4]. أي: صحيح لغيره.
كذلك الحديث الضعيف الذي لم يكن ضعفه ناشئاً عن وجود راوٍ كذاب أو متهم، إنما ضعف نشأ عن راوٍ سيء الحفظ مثلاً أو إرسال، فإنه بتعدد الطرق ينجبر هذا الضعف ويكون الحديث حسناً لغيره وليس لذاته.
قال ابن الصلاح: "ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت: فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال، زال بنحو ذلك"[5].
مسألة: السنن الأربعة -سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه- من مظان وجود الحديث الحسن فيها وبكثرة[6].



[1] حديث رقم (399) حسنه الإمام الألباني.
[2] الموقظة، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية ص 28
[3] "الباعث الحثيث ص 43"
[4] علوم الحديث ص 34
[5] علوم الحديث ص 34
[6] أيضاً فيها الصحيح وغير الصحيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق