الجمعة، 3 يناير 2020

ثري حاول الانتحار




لا بد للإنسان أن يعلم حقيقةً واضحة في هذه الدنيا، وهي تلك الحقيقة التي تقول: كما للجسد غذاء وملذات، كذلك للروح غذاء وملذات!
فهذا الشخص الثري الذي "فشل في الانتحار" نلحظ من قصته أمرين:
الأول: أنه أغرق جسده بالشهوات؛ لقوله (كل شيء موجود).
الثاني: أنه لم يُغَذِ روحه بالإيمانيات؛ لأنه حاول الانتحار، والانتحار محرم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) متفق عليه.
وأكثر ما يكون الإنسان على خطر حينما تكون شهوته جامحة ومتاحة، وعِلمه وإيمانه ضعيف!
* * *
وتلك الشهوات التي تفسد القلب، جمعها ابن القيم -رحمه الله-، وجعل أصولها خمسة (كَثْرَةِ الْخُلْطَةِ، وَالتَّمَنِّي، وَالتَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَالشِّبَعِ، وَالْمَنَامِ)[1].
ولو كان هذا الشخص قد شغل نفسه بالطاعات ومساعدة الناس المحتاجين وإقامة المشاريع النافعة -الخدمية والعلمية- لوجد في صدره لذةً لا يجدها بجمع الأموال وإنفاقها في الشهوات.
وما وقع فيه من إقدامه على الانتحار نتيجة طبيعة لمن أعرض عن الهدى والقرآن والطاعات:
يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
أي: معيشةً ضيقةً، لما يكون فيه من القلق والحرص على الدنيا، والتهالك على ازديادها، والخوف من انتقاصها، فترى الشح غالبًا عليه، والبخل راسخاً في أعراقه، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}
قال الإمام السعدي: الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا،
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا.
قال السعدي: "فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟
قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر الله، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم".
وعلى عكس هذا المعرِض وما يعانيه من شتات نفسي وضيقٍ صدري، عكسه أهل الإيمان -على قلة ما عندهم من المال- يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
قال ابن كثير: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت".
وفُسرت الحياة الطيبة بعدة تفاسير، فقيل: هي القناعة، وقيل السعادة، وقيل الرزق الحلال ... إلخ.
وقول ابن كثير: "والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت" جامع لهذا كله.
قال الجرجاني:
وإني لـــراضٍ عـن فتـًـــى متعـــــففٍ          يروح ويغدو ليس يملك درهـمًا
يَبيتُ يراعِـــي النجــمَ من سوءِ حالِه      ويصبحُ طَــلْقا ضـاحكا متبسما

 


[1] اقرأها بالتفصيل هنا:
https://ar.islamway.net/article/527/%D9%85%D9%81%D8%B3%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق