الاثنين، 29 يوليو 2019

من أحكام الهدية

من أحكام الهَدِيَّة



عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تَهادُوا تَحابُّوا» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594)، وحسنه الألباني]
قال الأمير الصنعاني -رحمه الله-: (وذلك لأن الهدية خلق كريم، وسنة حثت عليها الرسل، واستحسنتها العقول، تتألف بها القلوب، وتذهب شحائن الصدور). [التنوير شرح الجامع الصغير (5/101)]
والهبة والهدية والصدقة أنواع من البر يجمعها: تـَمْلِيكُ العَيـْنِ بلا عِوَض.
فإن مَلَّكَ محتاجاً لطلب ثواب الآخرة فهي: صدقة، وإن نقلها إلى مكان الموهوب له إكراما له: فهدية، وإن ملكه بدون طلب الثواب ولم ينقل إلى مكان الموهوب له: فهبة محضة، فالهبة أعم من الهدية والصدقة، فكُلٌّ من الهدية والصدقة هبة ولا عكس [الموسوعة الفقهية الكويتية (42/ 253)]
وقد قيل: ما استُرضيَ الغضبانُ، ولا استُعطفَ السلطانُ، ولا سُلِبَتِ السَّخائِم ولا دُفِعَت المغارم، ولا استُمِيلَ المحبوب، ولا تُوُقِّيَ المحذورُ بمثلِ الهدِيَّة.
وقد قال الشاعر:
هدايا الـنـاسِ بعضُهُمُ لـبعضٍ           تُوَلِّدُ في قلوبهمُ الوِصالا
وتزرع في الضمير هوىً ووُدَّا           وتكسوك المهابةَ والجلالا
مـصايدُ للـقلوبِ بـغير لَـغْبٍ            وتمنحك المحبةَ والجمالا
[من أحكام الهدية]:
1- تلزم الهدية إذا قبضها الـمُهدى إليه بإذن الـمُهدي، وليس للـمُهدي الرجوع فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» [أخرجه البخاري (2589)، ومسلم (4170)].
أي: الذي يرجع في عطيته كالكلب يلعق قيأه بعد أن ألقاه، وهو مبالغة في قبح الرجوع بالهبة. [انظر: إرشاد الساري للقسطلاني (4/346)]
إلا إذا كان أباً، فإن له الرجوع فيما أهداه لابنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحل لِرَجُلٍ أن يُعطِيَ عَطِيَّةً أو يَهَبَ هِبَةً فيَرْجِعَ فيها، إلا الوالِدَ فيما يُعْطِي وَلَدَه» [أخرجه أبو داود (3539) وصححه الألباني]
2- يجب على الأب المساواة بين أبنائه في الهدية، فلو خصَّ بعضهم بها، أو فاضل بينهم في العطاء دون رضاهم لم يصح ذلك، وإن رضوا صحت الهدية؛ وذلك لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: أنَّ أباه تصدق عليه ببعض ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ» [أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623)]
وفي رواية: «لاَ تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» أي: ظُلْم. [أخرجها البخاري (2650)]
3- لا ينبغي ردُّ الهدية، وإن قَلَّتْ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوا الدَّاعيَ، ولا تَردُّوا الهديةَ، ولا تَضرِبوا المسلِمينَ» [أخرجه الإمام أحمد (3838)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (158)]
4- تُسَنُّ الإثابة عليها؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا». [أخرجه البخاري (2585)].
5- ليس من الدِّين ولا المروءة الـمَنُّ بالهدية، أو طلب غرض دنيويّ من ورائها، أو استعظامها وذكرها في المجالس:
•أما المنُّ بالهدية، فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [سورة البقرة الآية 264]
قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: (أي: لا تبطلوا ثوابها، كما تبطل ثواب صدقة المرائي الذي لا يؤمن بالله، وهو المنافق) [زاد المسير في علم التفسير (1/ 239)]
•وأما طلب غرض دنيويّ منها: فقد وروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابياً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بَكْرة فعوّضه منها ست بكَراتٍ فتسخَّطها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إِنَّ فُلَانًا أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَة فَعَوَّضْتُهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ فَظَلَّ سَاخِطًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ» [أخرجه الترمذي (3945) وصححه الألباني]
والْبَكْرُ فَتِيٌّ مِنِ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ غُلَامٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ، وخص المذكورين من القبائل؛ لأن في طَبائعِهم الكرَمُ لا يَقصِدون ويطمَعون بهداياهم أن يُعوَّضوا بمِثلِها أو بأفضلَ منها. [انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/2011)]
•وأما استعظامها وذكرها في المجالس: فقد ذُكر أن رجلا أهدى لرجلٍ دجاجة ثم لم يزل يذكرها في المجالس!، وكلما ذُكر شيءٌ بجمالٍ أو سِمَنٍ قال: هو أحسن أو أسمن من الدجاجة التي أهديتها إليكم، وإن ذُكرت حادثة قال: ذلك قبل أن أُهدي لكم الدجاجة بشهر، وما بينها وبين إهداء الدجاجة إلا أيامٌ قلائل!، فصارت مثلاً لمن يستعظم الهدية. [المستطرف (ص306)]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق