الأحد، 28 يوليو 2019

تخريج ودراسة حديث (أَرْحَمُ أُمَّتِي بأمتي أَبُو بَكْرٍ)


تخريج ودراسة حديث (أَرْحَمُ أُمَّتِي بأمتي أَبُو بَكْرٍ...)

حديث: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ".

رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وقد اختلف على أبي قلابة فيه:
1-فمنهم من رواه مرفوعاً متصلاً بهذا التمام.
2-ومنهم من رواه عن أبي قلابة مرسلاً بتمامه.
3-ومنهم من رواه مرسلاً إلا قوله: (وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) فرواه عنه مرفوعاً متصلاً.
رواه عن أبي قلابة متصلاً مرفوعاً: عاصمٌ الأحول وخالدٌ الحذاء.

•أما رواية عاصم الأحول:
فأخرجها البزار في مسنده (البحر الزخار6787) عن: محمد بن عُمَر بن هياج، حَدَّثنا قبيصة بن عقبة، حَدَّثنا سُفيان، عَن خَالِدٍ وعَاصِم، عَن أَبِي قِلاَبَةَ، عَن أَنَس، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بالمتن التام السابق.
ثم قال البزار: "وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِم، عَن أَبِي قِلاَبَةَ، عَن أَنَس إلاَّ سفيان"، يشير إلى أن كل من رواه عن عاصم عن أبي قلابة رواه مرسلاً.
قال الدارقطني: "ورواه ابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عن عاصم، عن أبي قلابة مرسلا". "العلل 8/416"، أي: خالفوا الثوري في وصله.

•وأما رواية خالد الحذاء فقد رواه عنه موصولاً مرفوعاً بتمام المتن: سفيان الثوري، ووهيب بن الورد، وعبدالوهاب الثقفي.

•فرواية سفيان: أخرجها الإمام أحمد في المسند (12904) عن وكيع عن سفيان به، وابن ماجه (155) عن علي بن محمد عن وكيع عن سفيان به.

•وأما رواية وهيب: فقد أخرجها الإمام أحمد في المسند (13990) عن عفان بن مسلم عن وهيب به، والنسائي في السنن الكبرى (8185) عن أحمد بن سليمان عن وهيب به، وأبو داود الطيالسي (2210) عن وهيب به.

•وأما رواية عبدالوهاب الثقفي: فقد أخرجها الترمذي (3791) عن محمد بن بشار عن عبدالوهاب به، والنسائي في السنن الكبرى (8229) عن محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم عن عبدالوهاب به، وابن ماجه (154) عن محمد بن المثنى عن عبدالوهاب به، وابن حبان (7131) عن أحمد بن مكرم عن علي بن المديني عن عبدالوهاب به. 

وأما مَن رواه بتمامه مرسلاً: عبد الرزاق أخرجه في المصنف عن معمر عن عاصم بن سليمان الأحول عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وأخرجه أيضاً عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً بتمامه (20387). وكذلك أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/44) قال: نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره.

أما الفصل بين المرسل والمتصل:
فقد قال البزار: "وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَواه غَيرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء، عَن أَبِي قِلاَبَةَ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم؛ أَنَّه قَالَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، حَتَّى صَارَ: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ" فَذَكَرَ هَذَا الْمَوْضِعَ عَن أَنَس عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، وَسَائِرَ الْكَلامِ عَن أَبِي قِلاَبَةَ مُرْسَلا، وَجَعَلَ عَبد الوَهَّاب جَمِيعَ الْكَلامِ عَن أَنَس كُلَّهُ، وَقَدْ تَابَعَ عَبدَ الوَهَّاب الثَّوْرِيُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَوَاهُ قَبِيصَةُ عَنِ الثَّورِيّ، عَن خَالِدٍ وعَاصِم". "البحر الزخار 13/259". 

قال الخطيب البغدادي: "وَلَمْ يَكُنْ أَبُو قِلابَةَ يُسْنِدُ جَمِيعَ الْمَتْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرْسِلُهُ، غَيْرَ ذِكْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسْنِدُهُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى ذَلِكَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ مُبَيَّنًا مُفَصَّلا، ومَيَّزَ الـمُسْنَدَ من الـمُرْسَلِ أَنْ سَاقَهُ سِيَاقَةً وَاحِدَةً ... أَخْبَرَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ، نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زيد بن ثابت"، قال: قال أَنَسٌ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عبيدة بن الْجَرَّاحِ". "الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 677)".
قلتُ: ورواه عن خالد الحذاء مقتصراً فقط على الجزء المتصل المرفوع: (وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) كلٌّ من: شعبة بن الحجاج، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وإسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضَّل، وخالد بن أبي عدي.
أما حديث شعبة: فقد أخرجه البخاري (4382) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ -هشام بن عبد الملك الطيالسي- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ»، وأخرجه أيضاً (7255) عن سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ به، وأخرجه أحمد (12357) عن عفان بن مسلم وعبدالرحمن بن مهدي عن شعبة عن خالد به.
وأما حديث عبد الأعلى فأخرجه أيضاً البخاري (3744) عن عمرو بن علي الفلاس عن عبد الأعلى عن خالد به.
وأما حديث إسماعيل بن علية فقد أخرجه مسلم عن زهير بن حرب وأبي بكر بن أبي شيبة عن خالد به (2419).
وأما حديث بشر بن المفضل فقد أخرجه النسائي في الكبرى (8143) عن حميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل عن خالد به، وأخرجه أيضاً عن قتيبة بن سعيد عن خالد بن أبي عدي عن خالد الحذاء به (8143).
وأخرجه الترمذي في السنن (3790) عن قتادة عن أنس متصلاً مرفوعاً، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ دَاوُدَ العَطَّارِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ".
ثم قال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ [1]، لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَالمَشْهُورُ حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ.

قلت: قال البخاري عن سُفْيَان بن وكيع[2]: "يتكلمون فيه لأشياء لقنوه إياها"، وقال أبو زرعة: "لا يُشتغل به؛ كان يُتَّهم"، وقال ابن أبي حاتم: أشار عليه أَبِي أن يُغّير ورّاقه فإنه أفسدَ حديثه، وقال له: "لا تُحَدَّث إلا مِن أصولك". فقال: "سأفعل". ثُمَّ تمادى وحدَّث بأحاديث أُدْخِلت عليه. "تاريخ الإسلام 5/ 1146".
ورواه ابن عدي في الكامل (7/219) من حديث عمر بن الخطاب، ومن حديث عبدالله بن عمر، كلا الحديثين من طريق كوثر بن حكيم، قال عنه أبو زرعة: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيء، وقال الدارقطني وغيره: متروك. "ميزان الاعتدال 3/416".
وأخرجه الطبراني في الصغير (556) من حديث جابر بن عبدالله، من طريق مندل بن علي، قال أبو حاتم: شيخ، وقال أبو زرعة: لين، وقال أحمد: ضعيف، وقال العجلي: جائز الحديث يتشيع. "ميزان الاعتدال 4/180"
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان 1/437" عن جابر أيضاً.

الخلاصة:
الصواب -والله أعلم- أن الحديث فيه إدراج، وأن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الجزء الأخير من الحديث: " وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ" وأما ما قبله فهو مرسل.

قال الشيخ مشهور حسن سلمان: "وقد نصَّ على ذلك أكثر من عشرة من الحفاظ، وعلى رأسهم الحاكم في (معرفة علوم الحديث) وابن عبد البر في (التمهيد)، وابن تيمية في أكثر من موطن من الفتاوى بل برهن على ذلك بكلام عجيب تلميذ ابن تيمية الإمام الحافظ- ابن عبد الهادي، ألف جزءاً خاصاً في إثبات هذا الأمر، وقد ذكر هذا الحديث بتمامه على أنه صحيح مرفوعاً، شيخنا أبو عبدالرحمن الألباني في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة) ولما وقفت على جزء محمد بن عبدالهادي مخطوطاً وقرأته وتابعت النظر وكتبت ورقات، فاتصلت بالشيخ ذات يوم وأخبرته أني أحب أطلعه على ما عندي فزرته وقرأت عليه ما كتبت، وكان الشيخ رحمه الله يسمع ويصغي ويدون بعض الأشياء عنده، ولما أتممت النقولات التي ذكرتها عن كثير من العلماء، أخذ الشيخ نسخته من السلسلة الصحيحة المجلد الثالث وكتب عليها: (يحول إلى الضعيفة)، ولم أر أحداً ممن كتب في تراجعات الشيخ اليوم، وهم جماعة، ذكر هذا الحديث"[3].



[1] قال الشيخ الألباني: "لو قال -أي الترمذي-: "حديث غريب" فقط، فإنما يعني أن إسناده ضعيف". السلسلة الضعيفة 2/185.
[2] قال ابن حجر في تقريب التهذيب: "سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد الرؤاسي الكوفي كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه من العاشرة ت ق".
[3] https://ar.islamway.net/fatwa/31123/%D9%85%D8%A7-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A3%D8%B1%D8%AD%D9%85-%D8%A3%D9%85%D8%AA%D9%8A-%D8%A8%D8%A3%D9%85%D8%AA%D9%8A-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A8%D9%83%D8%B1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق