الخميس، 7 مايو 2020

أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ

أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ




من الأحاديث الرمضانية المشتهرة على ألسنة الخطباء والمتداولة بين عامة الناس، حديث "وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ"، وهذا الحديث وإن كانت تطرب له الأسماع، ويبعث الأمل في النفوس، إلا أنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من الأحاديث يغني عنه.

هذا اللفظ من الحديث جزء من حديث طويل أخرجه الإمام ابن خزيمة في صحيحه [في كتاب الصيام، بَابُ فَضَائِلِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ صَحَّ الْخَبَرُ]، فقال:

حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ... وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ ...».

لا يُروى هذا الحديث إلا من طريق علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف:

قال شعبة: كان رفاعا ومرة : حدثنا قبل أن يختلط

وقال عنه سفيان بن عيينة: كتبت عنه كتابا كبيرا فتركته زهدا فيه.

وقال يحيى القطان: يتُقى الحديث عنه.

وقال علي بن المديني: هو ضعيف عندنا.

وقال عنه يحيى بن معين: ليس بذاك القوي ، ومرة : بصري ضعيف ، ومرة : ضعيف في كل شيء ، ومرة: ليس بشيء ، ومرة : ليس بحجة.

وقال الإمام أحمد: ليس بالقوي ، ومرة : ليس بشيء ، ومرة : ضعيف الحديث.

وقال البخاري: لا يتابع في حديثه.

وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به.

وقال أبو زرعة الرازي: ليس بقوي.

وقال الترمذي: صدوق ، إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره.

وقال النسائي: ضعيف.

وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه.

وقال الدارقطني: فيه لين.

وقال الذهبي: "أحد الحفاظ وليس بالثبت".

وقال ابن حجر قال في التقريب : "ضعيف لا يُحَسَّنُ حديثُه إلا بالمتابعة والشواهد"، وذكره في المطالب العالية، وقال : "سيء الحفظ".

فائدة: لا يغرنك إخراج ابن خزيمة للحديث في صحيحه؛ فإن من منهجه إذا شك في صحة حديث يورده في كتابه يقول: إن صح الخبر، وقد قالها في الحديث السابق.

* * *

وعندما خرج ابن حجر الحديث في "إتحاف المهرة" (5/560) قال: "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف , وأما يوسف بن زياد فضعيف جدا".

قلت: أما يوسف بن زياد فقد تابعه غيره، إلا أن المدار (علي بن زيد) ضعيف، فلا يلتفت إلى الطبقات المتأخرة مع ضعف المدار المتقدم.

وضعف الحديث جماعة كثر من أهل الحديث المتأخرين والمتقدمين.

* * *

وله شاهد لا يصح من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن عدي من طريق: ثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ الصَّلْتِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " أَوَّلُ شَهْرِ رَمَضَانَ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ ". وضعفه.

و"مسلمة بن الصلت" قال فيه أبو حاتم الرازي: متروك الحديث.

* * *

ولنا فيما صح من الأحاديث غُنية، منها:

- "مَن صامَ رمضانَ وقامَهُ ، إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ" أخرجه البخاري (38)، ومسلم (760).

- "مَن قامَهُ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).

- "إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ ، وللهِ عتقاءُ من النارِ ، وذلك كلَّ ليلةٍ". أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642) واللفظ له، وحسنه الألباني.

وغيرها من الأحاديث الصحيحة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق