الخميس، 23 أبريل 2020

صلاة التراويح في البيوت


صلاة التراويح في البيوت


الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان بمنِّه وكرمه، ونسأله أن يعتق رقابنا ورقاب المسلمين من النار، وأن يرفع البلاء عن المسلمين.

بما أن المسلمين في هذه الظروف -ظرف إغلاق المساجد بسبب وباء كورونا- يصلون في بيوتهم، أحببت أن أكتب نبذة حول أحكام صلاة التراويح؛ إذ اعتاد أغلب المسلمين في ما مضى أن يتبعوا أئمة المساجد في صلاة التراويح، واليوم كل مسلم إمام في بيته، لذا وجب التذكير.

فضل شهر رمضان:

قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم رمضانُ، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامَه، تُفتح فيه أبواب السَّماءِ، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألفِ شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم» أخرجه النسائي بهذا اللفظ وصححه الألباني، وأصله في الصحيحين.

صلاة التراويح:

التَّرَاوِيحُ: جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ، أَيْ تَرْوِيحَةٌ لِلنَّفْسِ، أَيِ اسْتِرَاحَةٌ، مِنَ الرَّاحَةِ وَهِيَ زَوَال الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ.

وفي القاموس: منها ترويحة شهر رمضان سميت بها لاستراحة بعد كل أربع ركعات- يقال: استروح أي وجد الراحة.

حكم صلاة التراويح:

اتفق الفقهاء على سُنِّية صلاة التراويح، وهي سنة للرجال والنساء، وهي من أعلام الدين الظاهرة.

عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال : كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فيه بعَزِيمَةٍ، فيَقولُ: "مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ". أخرجه مسلم (759).

أي: كان يَحُثُّ على قيامِ ليالي رمضانَ بالصَّلاةِ، "مِن غيرِ أنْ يأمُرَهم فيه بعزيمةٍ"، أي: إنَّ أمْرَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم ليس على سَبيلِ الإلزامِ لهم، بل على الندب.

هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بالصحابة؟

قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة التراويح في بعض الليالي، ولم يواظب عليها، وبَيـَّن العُذر في ترك المواظبة، وهو خشية أن تكتب فيعجزوا عنها.

فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ"، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ". (متفق عليه).

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: " قمنا معَ رسولِ اللَّهِ في شَهرِ رمضانَ ، ليلةَ ثلاثٍ وعشرينَ، إلى ثُلُثِ اللَّيلِ الأوَّلِ ثمَّ قُمنا معَهُ ليلةَ خمسٍ وعشرينَ إلى نِصفِ اللَّيلِ ثمَّ قمنا معَهُ ليلةَ سبعٍ وعشرينَ حتَّى ظننَّا أن لا ندرِكَ الفلاحَ" أخرجه النسائي (1605) وصححه الألباني.

وقد واظب الخلفاء الراشدون والمسلمون من زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - على صلاة التراويح جماعة، وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - هو الذي جمع الناس فيها على إمام واحد.

عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: (إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل)، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: (نعمت البدعة هذه[1]، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون) يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله". أخرجه البخاري (2010)

عدد ركعات التراويح:

قال السيوطي: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان، والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد.

أما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته واحدة في رمضان وغيره؛ سأل أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً". البخاري (1147)

وأما الصحابة فكانوا يزيدون في عدد الركعات؛ فقد روى مالك عن يزيد بن رومان والبيهقي عن السائب بن يزيد من قيام الناس في زمان عمر - رضي الله تعالى عنه - بعشرين ركعة، وجمع عمر الناس على هذا العدد من الركعات جمعا مستمراً.

لذلك ذهب جمهور الفقهاء - من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية - إلى أن التراويح عشرون ركعة، وقيل غير ذلك من الأعداد.

قال ابن تيمية: والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك.

وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، قال: ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ[2].

الاستراحة بين كل ترويحتين:

اتفق الفقهاء على مشروعية الاستراحة بعد كل أربع ركعات؛ لأنه المتوارث عن السلف، فقد كانوا يطيلون القيام في التراويح ويجلس الإمام والمأمومون بعد كل أربع ركعات للاستراحة.

ولا بأس بترك الاستراحة بين كل ترويحتين، ولا يسن دعاء معين إذا استراح؛ لعدم وروده.

التسليم في صلاة التراويح:

ذهب الفقهاء إلى أن من يصلي التراويح يسلم من كل ركعتين؛ لأن التراويح من صلاة الليل فتكون ركعتين ركعتين، لحديث: "سَأَلَ رَجُلٌ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو علَى المِنْبَرِ، ما تَرَى في صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى واحِدَةً، فأوْتَرَتْ له ما صَلَّى" متفق عليه.

وقت صلاة التراويح:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن وقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء، وقبل الوتر، إلى طلوع الفجر؛ لنقل الخلف عن السلف، ولأنها عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوا فيه، وهم صلوا بعد العشاء قبل الوتر؛ ولأنها سنة تبع للعشاء فكان وقتها قبل الوتر.

الجماعة في صلاة التراويح:

اتفق الفقهاء على مشروعية الجماعة في صلاة التراويح؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، ولفعل الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - ومن تبعهم منذ زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ ولاستمرار العمل عليه حتى الآن.

القراءة وختم القرآن الكريم في التراويح:

يُستحب أن يختم القرآن الكريم كاملاً في صلاة التراويح -وليس بواجب-؛ ليُسْمِع الناس جميع القرآن في تلك الصلاة.

القراءة من المصحف في صلاة التراويح:

قال مالك : "لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة"[3].

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: " لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان ... وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان ، وكان يقرأ من المصحف".

الجلوس في صلاة التراويح:

يجوز القعود في صلاة النافلة ولو من غير عذر بالإجماع ، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ)، فإن قعد لعذر كان له ثواب القائم.

موقف المأموم من الإمام:

إن كانا رجلين اثنين فإنهما يقفان صفاً واحداً، وإن كانوا أكثر من ذلك، فيقفون خلف الإمام.

وإن كان رجل وامرأة، فتقف خلفه مباشرةً.

وإن كانوا رجالاً ونساءً، فيكونون على ثلاثة صفوف: الإمام وحده، وخلفه صف الرجال، وخلفه صف النساء.

وإن كانوا ثلاثة: رجلان وامرأة، فالرجلان في صف واحد والمرأة خلفهما.






[1] وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر، فقال: التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرص عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعا، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد سن عمر هذا وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما رد عليه واحد منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك.
وقول عمر رضي الله عنه : " نعم البدعة هذه " إنما قصد بتسميتها بدعة معناها اللغوي ؛ يعني : أنها أمر جديد ، لم تجر به عادة الناس وعملهم .
وذلك أن جمع الناس في رمضان كل ليلة على إمام واحد باستمرار وانتظام : لم يكن من قبل ، فاعتبر ظاهر الحال ، وقصد المعنى اللغوي للبدعة ، ولم يقصد المعنى الشرعي لها ، الذي يعني : استحداث أمر في الدين ، وليس منه ، مع نسبته إلى الدين ؛ فصلاة التراويح من الدين المشروع المندوب إليها ، وهكذا صلاتها جماعة : من الأمر المرغب فيه المندوب إليه ، وثبت أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " هذه تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي".
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية 22 / 272.
[3] "المدونة" (1/224) .

هناك تعليق واحد: