الجمعة، 8 نوفمبر 2019

مراعاة اختلاف المحدثين في شروط قبول الحديث ورَدِّه


مراعاة اختلاف المحدثين في شروط قبول الحديث ورَدِّه[1]


يرتبط اختلاف العلماء في الحكم على الحديث ارتباطا وثيقًا بنشأة علم الجرح والتعديل، ومعرفة الرجال، وطرق التثبت من الأخبار، ويُعد هذا الاختلاف ظاهرة واقعية، بل من آيات الإبداع قديما وحديثًا.
فلقد أنتجت هذه الاختلافات ثماراً طيبةً أثرت في بناء صرح السنة، ودفعت بأرباب الصنعة لاتخاذ تدابير أمنية لكل ما يمكن أن يطرأ على السُّنة من تقوّلاتٍ وأباطيلَ، وصاحَبَ هذا وضع القواعد التي ساعدت على التعرف إلى حال الراوي والمروي قبولا أو ردًا.
ومن المسائل التي اختلف فيها أهل الحديث[2]، مسألة قبول رواية المجهول، ويدخل في هذا حُكم الحديث الـمُرسل، والـمُعلَّق، والـمُدلَّس، ومجهول العين أو الحال، وبماذا ترتفع جهالته.
وحكم زيادة الثقة، والاختلاف في الرفع والوقف، والإدراج ... إلخ.
وكذلك مسائل طرق التحمل (الإجازة والمناولة والمكاتبة والإعلام والوصية والوجادة) وقع فيها قبولها خلافٌ معروف في كتب المصطلح، فمنهم مَن لا يقبل التحمل عن طريق الإجازة مثلاً.
فخلاف الأئمة في تلك الشروط وغيرها يؤثر على الحكم الشرعي المستفاد من ذلك الحديث المختلف في شروط صحته، ومن أمثلة ذلك[3]: مسألة نقض الوضوء من القهقهة في الصلاة:
حديث أبي العالية المرسل[4] عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء من الضحك في الصلاة[5].
فذهبت الحنفية إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء؛ إذا حدثت من مصل بالغ يقظان في صلاة كاملة ذات ركوع وسجود، سواء أكان متوضئًا أم متيممًا أم مغتسلاً في الصحيح، وسواء أكانت القهقهة عمدًا أم سهوًا، وقدموا الحديث المرسل على محض القياس.
وخالفهم الجمهور[6]: وردوا الحديث المرسل، وقالوا: القهقهة ليست بحدث، ولا تبطل الوضوء خارج الصلاة؛ فلا يبطله داخلها؛ وإنما هي صوت؛ كالبكاء.



[1] انظر: كتاب "اختلافات المحدثين والفقهاء في الحكم على الحديث" للدكتور عبد الله شعبان علي.
[2] لو مثلت لكل مسألة لطال البحث، فاقتصرت على بعضها.
[3] بحث: "حجية الحديث المرسل" د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري.
[4] أخرجه
[5] قال ابن حزم: (ولم يعيبوه إلا بالإرسال) الإحكام لابن حزم (1/ 144).
[6] قال ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواتره عن عدد من أرسله، وقال ابن التركماني: (ويلزم الحنابلة أيضًا لأنهم يحتجون بالمرسل). والصواب أنه لا يلزمهما؛ لعدم تحقق شروط الاحتجاج به، فرده الشافعي لأن من مرسل الزهري، وهو يروي عن كل أحد؛ ذكره ابن حجر، ورده أحمد مع أنه يحتج بالمراسيل كثيرًا؛ لأن أبا العالية كان يصدق كل من حدثه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق