الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

جمع طرق الحديث


جمع طرق الحديث


المقصود بجمع الطرق: جمع الروايات والأسانيد التي روى بها المؤلفون في السنة النبوية حديثاً مُعيناً، يريد الباحث دراسته[1].
وهي مرحلة بالغة الأهمية في فقه الحديث وعليها الاعتماد الأكبر فيما يليها من خطوات، فلا نَظَرَ في فقه حديث إلا بعد جمع طرقه، والنظر في شواهد المتن، وإذا زَلَّتْ قدمُ الباحث فيها ترتب على ذلك أخطاء لاحقة قد تؤثر في فهم الحديث أو الحكم عليه صحة وضعفاً.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ تَفْهَمْهُ، وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا»[2].
وقال يحيى بن معين -رحمه الله-: «لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الْحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ»[3].
وقال علي بن المديني -رحمه الله-: «الْبَابُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ»[4].
فهذه نصوص بعض أهل الحديث وفقهائه في أهمية جمع طرق الحديث، لفهمه، ولمعرفة عِلَّته إن وجدت.
ومن أمثلة تفسير الحديث بعضُه بعضا، ما قاله الإمام القرطبي -رحمه الله- في ذكر حديث الدجال وكيف يقرأ الأُمّي المكتوبَ بين عينيه "كافر"، قال القرطبي:
«قال الله تعالى: "وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ" الْآيَةَ، وَقَالَ: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ"[5] فَكَيْفَ هَذَا؟! فَالْجَوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ -وَالْحَدِيثُ كَالْقُرْآنِ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا- فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ"[6]».[7]
ويستعان على جمع طرق الحديث بعدة وسائل، من أهمها: كتاب "تحفة الأشراف" للإمام المزي، وكتاب "إتحاف المهرة" للإمام ابن حجر، فمن هذين الكتابين يتم جمع طرق الحديث وتخريجه من أكثر من ستَةَ عشَرَ مصدراً من مصادر الحديث الأصلية.
وكذلك يستعان ببرامج الحاسب الآلي مثل: المكتبة الشاملة، وجوامع الكَلِم، وجامع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للسنة النبوية المطهرة، وغيرها من البرامج.
أما شواهد الحديث فإنها تُجمع بطرق، منها:
1-النظر في موضوع المتن، وأين مظانه في كتب وأبواب الكتب المسندة.
2-وكذلك النظر في شروح الحديث كـ "التمهيد" و"الاستذكار" لابن عبد البر، و"فتح الباري" لابن حجر؛ فإنهما ينصّان على شواهد الحديث المشروح.
3-ومنها: النظر في المصادر الفرعية -غير المسندة- التي تشير إلى موضع الحديث في المصدر الأصلي، ككتاب "كنز العمال" للمتقي الهندي، فقد بلغ عدد المتون التي فيه: (46616).
4-وكذلك يستعان على معرفة الشواهد من خلال برامج الحاسب الآلي السابق ذكرها.


[1] مهارات جمع طرق الحديث، أ.د. إبراهيم اللاحم. (ص9).
[2] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/212).
[3] المصدر نفسه.
[4] المصدر نفسه.
[5] أخرجه البخاري (1913)، ومسلم (1080)
[6] أخرجه مسلم (2934)
[7] تفسير القرطبي (13/353).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق