الخميس، 17 أكتوبر 2019

الزلازل


الزلازل

الزلزال هو اهتزاز الأرض بسبب انكسار وزحزحة مفاجئة لقطاعات عريضة من قشرة الأرض الصخرية الخارجية، وهو من أعظم الأحداث ذات القوة الهائلة التي تُصيب الأرض ولها نتائج مرعبة.
وقد يطلق زلزال عنيف كميات من الطاقة تعادل مائة ألف مرة قدر ما أطلقته القنبلة الذرية الأولى، وقد تؤدي حركات الصخور أثناء الزلزال إلى تغيير مجاري الأنهار، كما يمكن أن يؤدي الزلزال إلى حدوث انزلاقات أرضية تؤدي بدورها إلى خراب كبير وفقدان أرواح، وتسبب الزلازل الكبيرة التي تقع تحت مياه المحيط نشوء سلاسل من أمواج بحرية عظيمة مدمرة، تسمى الأمواج السَّنامية تغرق السواحل[1].
ومن أجل تحديد قوة ومواقع الزلازل، يستعمل العلماء مقياس "ريختر"[2] الموضعي للقدر الزلزالي فهو من أحسن ما يستعمل لقياس شدة الزلازل، وبلغ أعلى رقم سجله هذا المقياس 8,5 درجة في المحيط الهادئ بالقرب من تشيلي عام 1960م[3].
* * *
ولا شك أن حدوث الزلازل -بعيداً عن القراءة العلمية- سببه معاصي الناس؛ فإن الله خالق كل شيء، وهو مسبب الأسباب وله المرجع والمآب، فقد زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ -رضي الله عنه- حَتَّى اصْطَفَقَتْ السُّررُ، فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ، فقَالَ: «لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ»، لئلا يُصيبه العذاب مع العُصاة.
قال ابن عبد البر المالكي -رحمه الله-:"لم يأت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره، ولا صحت عنه فيها سُنَّة، وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر، فأنكرها وقال أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم"[4]. الإحداث في الدين = المعصية، بدعةً كانت أو ذنباً.
وجاء في تفسير الطبري[5]: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا}، وإن الله يخوّف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذَّكَّرون، أو يرجعون، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه. (أي: يحثكم على التوبة، فتوبوا).
وقد يبتلي الله عباده بسبب ذنوبهم فيصيبهم بالبأساء والضراء لعلهم يذكرون، فينيبون إليه ويتوبون ويضرعون ويلتجئون إليه، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:42].
* * *
وفي السنوات الأخيرة نسمع عن تزايد الزلازل هنا وهناك، باختلاف درجاته ودماره، ولا شك أن كثرة الزلازل من علامات يوم القيامة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ- وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ ..." الحديث[6].
ماذا يفعل المسلمون عند حدوث الزلزال؟
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُسْتَحَبُّ الصَّلاَةُ فِي كُل فَزَعٍ: كَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ، وَالزَّلْزَلَةِ، وَالظُّلْمَةِ، وَالْمَطَرِ الدَّائِمِ لِكَوْنِهَا مِنَ الأفْزَاعِ، وَالأهْوَال، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صَلَّى لِزَلْزَلَةٍ بِالْبَصْرَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يُصَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الزَّلْزَلَةُ الدَّائِمَةُ، فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلاَةِ الْكُسُوفِ؛ لِفِعْل ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا[7].
* * *
وما سبق ذكره إنما هي زلازل أيام الدنيا، أما زلزال يوم القيامة فهو أشد وأعظم من كل زلزال، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2]
أي: إن ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض، تتصدع منها كل جوانبها، شيء عظيم، لا يُقْدر قدره ولا يُبْلغ كنهه، ولا يعلم كيفيَّته إلا رب العالمين، ويوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيعَها الذي ألقمته ثديها؛ لِمَا نزل بها من الكرب، وتُسْقط الحامل حملها من الرعب، وتغيب عقول الناس، فهم كالسكارى من شدة الهول والفزع، وليسوا بسكارى من الخمر، ولكن شدة العذاب أفقدتهم عقولهم وإدراكهم[8].
وكذلك أنزل الله تعالى سورةً اسمها "الزلزلة" أي: زلزلة يوم القيامة.



[1] الموسوعة العربية العالمية: (الزلزال)
[2] تشارلز فرانسيس ريختر (بالإنجليزية: Charles Francis Richter) ‏ (26 أبريل 1900 - 30 سبتمبر 1985) هو عالم زلازل وفيزيائي أمريكي. وريختر معروف بأنه مخترع مقياس ريختر، والذي كان ولا زال يستخدم لقياس قوة الزلازل.
[3] الموسوعة العربية العالمية: (ريختر، قوة)
[4] الاستذكار 2/ 418
[5] (17/478)
[6] متفق عليه
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية 27/ 258
[8] التفسير الميسر ص332

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق