الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

التعلم الذاتي



من الأخطاء الشائعة بين الخريجين والموظفين اعتقادهم أن زمن التعلم والدراسة قد ولَّى وانقضى؛ ولا فائدة من التعلم والدراسة بعد ذلك.
وما علِموا أن طريق التعلم لا ينتهي عند التخرج أو الحصول على الوظيفة، أو ممارسة مشروعك الخاص، إن عملية التعليم مستمرة منذ "رياض الأطفال" إلى نهاية المدرسة والجامعة، بل حتى بعد حصولك على شهادة الدكتوراه ودرجة الأستاذية في تخصصك!
ويعجبني ما يُروى أن رجلاً رأى مع الإمام أحمد محبرة (وعاء فيه حبر) فقال له: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المَحبَرَةُ تحملها فقال: مع المَحبَرة إلى المقبرة.
ولا أبالغ إن قلتُ لك إن التعلم الذاتي أكثر فائدة مما تعلمته خلال دراستك؛ لأنك حينما تتعلم ذاتياً فأنت تقرر ماذا تحب أن تتعلم، وفي أي ساعة تريد أن تتعلم وفي أي مكان تحب أن تتعلم، أنت الذي تقرر ذلك، تختار ذلك بعد نضج عقلك، وتجاربك مع الأيام.
أما دراستك فإن ظروفاً ما ساقتك نحوها -ولا ننكر فضلها-، فكثير من الناس يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ لدرست التخصص الفلاني بدلاً من التخصص الفلاني!
إنك عندما تتوقف عن التعلم فهذا يعني أنك لن تزداد علماً سوى من بعض تجارب حياتية من مواقف عابرة، أما التعلم الذاتي فهو رافد آخر من الروافد العلمية التي تروي جفاف عقلك، وتغسلك أدران جهلك.
وقبل الدخول في صلب الموضوع أحب أن أبين أن أهم العلوم التي ينبغي أن يتعلمها الإنسان هو العلم بما فرضه الله عز وجل عليه، وهو ما يسمى "فرض عين"[1]، والذي يجب عليك: أن تتعلم أركان الإسلام وأركان الإيمان[2]، وما سوى ذلك فتعلمه مستحب وليس بواجب إلا في حالات معينة.
نرجع ونقول: ما هو التعلم الذاتي؟
يعرِّفه (D.Rowntree)  بأنه: "عملية يقوم فيها المتعلمين بتعليم أنفسهم مستخدمين أي مواد أو مصادر؛ لتحقيق أهدافٍ واضحة دون مساعدة مباشرة من المعلم"[3]، كالمواد المبرمجة ووسائل تعليمية وأشرطة فيديو وبرامج تليفزيونية ومسجلات وقنوات الـ YouTube ومنصات التعليم المجاني.
سُئل ابن المقفّع (توفي 142 هــ = 759 م): مَن الذي أدّبك كلّ هذا الأدب؟ فقال: نفسي! فقيل له: أيُؤدّب الإنسان نفسه بغير مؤدّب؟!
قال: كيف لا؟ كنتُ إذا رأيتُ في غيري حُسناً تبنّيتُه، وإن رأيتُ قبيحاً أبيتُه، بهذا أدّبتُ نفسي.
هذا نَصٌ قديم في "التعلم الذاتي"!
وأيضاً هناك من وجد لنفسه مساحة في هذا العالم من خلال التعليم الذاتي، وبعضهم اجتهد خارج العالم الافتراضي، ومنهم: الصحفي والمبرمج جوليان أسانج، والمخترع توماس أديسون، والكاتب المصري الراحل عباس محمود العقاد.

* * *
لا ينكر أحد أن تعدد المهارات التي يحسنها الفرد، ترفع من مستواه الاجتماعي وتتيح له فرصاً أكثر في سوق العمل، وحتى تعرف مستواك الحقيقي، ادخل على موقع[4] linkedin.com وأنشئ لك حساباً خاصاً على الموقع، سيطلب منك الموقع تزويده بالمهارات التي تحسنها والخبرات التي تمتلكها، وكلما زودته بذلك كنت مرغوباً أكثر لدى الشركات والمؤسسات، ليس المحلية فقط بل العالمية.
طلبتُ منك فعل ذلك حتى تعرف كم من المهارات تتقن وكم من الخبرات تحسن، وهذه طريقة تقيس بها نفسك وتعلم ما في جعبتك!
فمثلاً: هناك بعض الناس مَن يتقن التحدث بلغتين، بل أكثر، وقد رأيت شاباً يتحدث سبع لغات!
نعم، لم أخطئ .. سبع لغات، واسمه "محمد سليم" يتحدث: (العربية، والإنجليزية، والإسبانية، والألمانية، والأندونيسية، والفرنسية والإيطالية) تلك سبع كاملة!
وهو معلم على شبكة cambly.com لتعليم اللغة الإنجليزية[5].
فلا أظن أن هذا الشاب -ما شاء الله- يجد مشكلة في الحصول على وظيفة، ولو في الترجمة على الأقل.
وهناك مَن يتقن البرمجة الحاسوبية، وهناك من يتقن المحاسبة وهناك من يتقن الصيدلة... إلخ، إلى جانب تخصصه الأصلي الذي درسه.
فكم من المهارات تتقن أنت؟!
تعلم لغةً أخرى -والإنجليزية هي لغة هذا الزمان-، تعلم الجرافيكس، تعلم تصميم المواقع، تعلم فن الإدارة، تعلم الخطابة، كُن مدربَ تنميةٍ بشرية ... إلخ.

هناك العديد من المواقع المجانية التي تتيح لك "التعلم الذاتي" وتطور من مستواك، وبعضها تمنحك شهادةً في اجتياز الدورة، وهذه بعضها[6]:
المنصات العربية:
- أكاديمية خان: تسعى لتقديم شروح مبسطة للرياضيات والعلوم بشكل مجاني ومواكب للعصر في صورة فيديوهات تعليمية، وتتسم بأن شركاءها في هذا المشروع مرموقون من أمثال جامعة "أم آي تي" ووكالة ناسا وأكاديمية كاليفورنيا للعلوم، وكذلك متحف الفن الحديث.
- منصة رواق: تقدم مواد تعليمية في شتى المجالات والتخصصات، لذلك فهي موجهة لمن يريد أن يتعلم، وتمتاز بأنها منصة تفاعلية، تمكن الدارسين والمعلم من التواصل فيما بينهم، وتمنح شهادة بإتمام دراسة المادة.
- منصة إدراك: تأسست بمبادرة من مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية في الأردن، بهدف تحسين حياة الأفراد والمجتمعات والدول من خلال إتاحة التعليم، وتحتوي دروسا تعليمية مرتبطة بالاقتصاد وريادة الأعمال والعلوم والآداب والفنون وغيرها من فروع المعرفة.
وتمتاز بأنها تعمل بالشراكة مع منصة "إي دي أكس"، وجامعة هارفرد، والمجلس الثقافي البريطاني، والجامعة الأميركية، وغيرها من المؤسسات التعليمية، التي توفر محاضرات لها مجانا على المنصة.
- تدرّب.كوم: هذا الموقع يقدم دورات يلقيها أبرز المدربين في شتى المجالات، بالإضافة لإمكانية مشاهدة الدورات الجديدة مجانا أثناء البث الحي.

المنصات الأجنبية:
- منصة Edx: توفر أفضل أنواع التعليم عبر الإنترنت، وتعمل بالتعاون مع جامعة هارفرد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة بيركلي، والعديد من المؤسسات المعنية بالتعليم، وتتنوع محاضراتها ما بين العلوم الإنسانية والهندسة واللغة وإدارة الأعمال وعلوم الحاسوب، وتمنح الطلاب شهادات إتمام الدراسة لبعض المواد الدراسية، وتمتاز تلك الشهادات بأنها معترف بها دولياً.
- منصة Coursera: تتشابه مع المنصة السابقة في أنها تتعاون مع العديد من المؤسسات التعليمية في مختلف دول العالم، وأيضا في فروع المواد الدراسية المتاحة فيها وتقديم شهادة إتمام الدراسة مقابل رسوم مالية، وتمتاز بأنها معترف بها في العديد من دول العالم.
- منصة Udacity: تسعى لتقديم تعليم ذي مستوى عال ومرن واقتصادي، بهدف تنمية مهارات المتعلم حتى يكون قادراً على المنافسة في سوق العمل، وتمنح فرصة للتوظيف في الشركات الكبرى لمن ينهي فصله الدراسي بنجاح، وتعمل في مجال صناعة التكنولوجيا والبرامج المتعلقة بها، ويشاركها في المحتوى المقدم من خلالها مؤسسة أمازون وغوغل وفيسبوك وأتش بي وغيرها من المؤسسات المتخصصة في مجال التكنولوجيا.

مواقع لتعليم اللغة الإنجليزية (غير مجانية):
موقع englishlive.ef.com: وهو موقع يتيح تعلم اللغة الإنجليزية عن طريق فصول محادثة جماعية تحت إشراف معلم.
موقع cambly.com: يتيح لك تعلم اللغة الإنجليزية وذلك من خلال محادثة عن طريق الفيديو بشكل مباشر.

وسائل "التعلم الذاتي" الأخرى:
عبر الـــ youtube، وكذلك من خلال الطريقة التقليدية "الكُتب" ويمكنك تحميل ما تشاء منها من المواقع المجانية، وكذلك عن طريق "الكتاب المسموع" ومواقعه كثيرة.



[1] انظر: https://islamqa.info/ar/answers/262984/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%85%D9%86%D9%87-%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%85%D9%86%D9%87-%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D9%83%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%88%D9%87%D9%84%D8%A7
[2] ولسماع شرح ذلك استمع (للشيخ د.صالح العصيمي):
https://www.youtube.com/watch?v=itvrS6vVtxM
[3]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A
[4] لينكد إن هو موقع على شبكة الإنترنت يصنف ضمن الشبكات الاجتماعية، تأسس في ديسمبر كانون الأول عام 2002 وبدأ التشغيل الفعلي في 5 مايو 2003. يستخدم الموقع أساسًا كشبكة تواصل مهنية. في يونيو 2012 بلغ عدد المسجلين في الموقع أكثر من 176 مليون عضو من أكثر من 200 دولة.
[5] وهذه نبذة عنه:
https://www.cambly.com/en/browsetutors/Mohamed%20Selim?lang=en
[6] مقال في شبكة الجزيرة نت:
https://www.aljazeera.net/news/miscellaneous/2018/12/25/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق