الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

شرح (سر على مهلك) 4

 

خالفِ المرأة لا تَسمَع لها

فَالرَّزايا جُمعت في رَأيها

وإذا قالت فلا تُصْغِ لها

(واترك الغادة لا تَحفَل بها)

(تُمْسِ في عزّ رفيع وتجلّ)

يبدو أن الناظم لم يرد أن يدع خيراً في النساء!، وعلى كل حال ما ذكره الناظم هو الحال الغالب على النساء؛ يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم "‌كَمَلَ ‌مِنَ ‌الرِّجَالِ ‌كَثيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" متفق عليه، ففي الحديث أن النساء الكُمَّل قليل.

بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِنْ ‌نَاقِصَاتِ ‌عَقْلٍ ‌وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ" متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ ‌خُلِقَتْ ‌مِنْ ‌ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ؛ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ؛ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" متفق عليه.

ولَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا ‌أَمْرَهُمُ ‌امْرَأَةً" أخرجه البخاري.

كما أنه لا ينغي ترك تدبير المعيشة في يد المرأة؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 5] والمقصود بالسفهاء: النساء، والصبيان، قاله الصحابي عبد الله بن مسعود.

وبَيـَّنَ ابنُ عباس تفسير هذه الآية، فقال: "لا تَعْمَدْ إلى مالِكَ وما خوَّلَّكَ اللهُ وجعلَهُ لك عِيشَةً، فتعطيه امرأتَك أو بنيك؛ ثم تُضطرَّ إلى ما في أيديهم، ولكن أمسِكْ مالَكَ، وأصلِحْهُ، وكُن أنتَ الذي تُنفِقُ عليهم في كسوتهم ورزقهم ومُؤْنتِهم".

كذلك العاقل لا يضع سره عند امرأة؛ فإن صدرها بالسر أضيق من سَمِّ الخِياط، قال عمر رضي الله عنه: "خصلتان من علامة الجهل: مشاورة ‌النّساء والصبيان، واستكتام السرّ النساء والصبيان".

فالعقل من صفات الرجال، والمرأة خلقها الله بمزايا أخرى، كما قيل: "‌عقل ‌المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله"[1].

وما ذكرته هو الأعم الأغلب.

* * *

وقد جاءت نصوص شرعية تبين أن بعض النساء لديهن عقل راجح، من ذلك خديجة -رضي الله عنها- حين جاءها النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى جبريل على هيئته العظيمة التي خلقه الله عليه وله ستمائة جناح، "فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: "‌زَمِّلُونِي ‌زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" متفق عليه.

ومن ذلك قصة أم سلمة -رضي الله عنها- في الحديبية لما صالح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً على الرجوع، وعدم دخول مكة عامهم هذا، قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا"، قال الراوي: "فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فلما فعل ذلك ، قاموا فنحروا".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقا: "فيه جواز مشاورة المرأة الفاضلة".

* * *

وقول الناظم: (واتْرُكِ الغادَةَ لا تَحفَل بها ... تُمْسِ في عزّ رفيع وتجلّ).

الغادة: الفتاة الناعمة اللينة.

لا تحفل بها: أي لا تبالِ بها، يقال: حَفَلْتُ بكذا، أي باليتُ به، ويقال: ‌لا ‌تَحْفلْ به[2].

يعني أن مَن تعلق قلبه بالحب والعشق، ابتعد عن العزة والإجلال، فصاحب العشق تعتريه مسكنة ومذلة، وينشغل بمحبوبه عن معالي الأمور وعزيزها، كما قال عنترة العبسي:

مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ

مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ

وقد قُدمت جارية حسناء لأحد قادة الفتوح المسلمين، فنظر إليها وقال: كم أنت جميلة، ولكني مشغول عنكِ بما هو أعظم!

فالشاهد أن العشق والتعلق به يُقعد المرء عن معالي الأمور، ورفيع المقامات، بل يضع من قدره، ويؤخره عن ركب النجاحات.

قال أبو الخطاب الكلوذاني (ت 510 هـ):

دَعْ عنك ‌تَذْكارَ ‌الخليطِ المُنْجِدِ

والشوقَ نحو الآنساتِ الخُرَّدِ

والنَّوْحَ في أطلال سُعدى إنما

تَذْكارُ سُعدى شُغْلُ مَنْ لم يُسْعَدِ




[1] التمثيل والمحاضرة (ص217).

[2] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1671).

هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت بارك الله فيكم . وزادكم علمًا و فضلًا

    ردحذف