الاثنين، 5 أبريل 2021

الإسلامُ دِينُ جميعِ الأنبياءِ والرسلِ

 

الإسلامُ دِينُ جميعِ الأنبياءِ والرسلِ

لا تزال شرذمة مارقة من بني جلدتنا تجهد في تحسين صورة أهل الكتاب، وتتكلف في لَيِّ أعناق النصوص لسواد أعينهم، فتأنف من تسميتهم بالكفار -كما سماهم الله ورسوله-، وتتعامى عن بعض النصوص الصريحة في حقهم، وتؤل بعضها الآخر تأويلا بارداً.

ومن المقولات الشائعة في وسائل الإعلام وبين "المثقفين" قولهم: "الأديان السماوية"، وهذا مصطلح خاطئ، وتصويبه "الشرائع السماوية" أو "الكتب السماوية"؛ لأنه لم ينزل من السماء إلا دينٌ واحدٌ، وهو دين الإسلام[1].

فقط دين الإسلام، يقول الله تعالى {إِنَّ ‌الدِّينَ ‌عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}.

ومعنى الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءةُ من الشِرك وأهله.

أما ما يسمونها "أديان سماوية" ويقصدون بها "اليهودية والمسيحية والإسلام" إنما هي شرائع دين الله، أي: طُرق التَّعَبُّدِ لله في أزمانٍ متفرقة، مع الاتفاق في أصول العقيدة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنبياءُ إخْوَةٌ، أبناءُ عَلّات، أُمَّهَاتُهم شَتَّى، ودِينُهم واحد" (متفق عليه)

أي: دينهم الإسلام، وشرائعهم مختلفة؛ كأبناء رجلٍ واحدٍ من عِدَّة زوجات.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "والإسلام هو دين جميع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال ابن عباس: سبيلا وسنة. فهذا نوح يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال تعالى عن إبراهيم الخليل: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وقال يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وَقَالَ مُوسَى {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} وقالت السحرة: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وَقَالَتْ بلْقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} وقال خاتم الرسل وسيد البشر: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}"[2].

فاليهود والنصارى بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يتّبعوا أنبياءهم، وليسوا بمسلمين، لأنهم لن يسلموا من أحد أمرين:

الأول: أنهم بدلوا دين أنبيائهم التوحيد، وأشركوا بالله عز وجل؛ بأن دعوا مع الله تعالى غيرَه؛ النصارى عبدوا عيسى، واليهود عبدوا العجل وعزيراً.

وقال تعالى: {‌اتَّخَذُوا ‌أَحْبَارَهُمْ ‌وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

{أَحْبَارَهُمْ}: عُلَماءَ اليَهُودِ. {وَرُهْبَانَهُمْ}: عُبّادَ النَّصارى[3].

الثاني: إن سلَّمنا جدلاً أنه بقيت منهم بقية لم تفعل الشرك، فإنهم لم يأخذوا بوصية أنبيائهم بأن يتبعوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-.

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ‌لَمَا ‌آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}.

قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ‌"ما ‌بَعث ‌الله ‌نبيا ‌من ‌الأنبياء ‌إلا ‌أخذ عليه الميثاق: لئن بَعث محمدا وهو حيُّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بُعث محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه"[4].

ولتقرير هذا المعتقد في النفوس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ". أخرجه مسلم.

 

وإلى الله المشتكى وإليه المرجع والمآب.

 



[1] قد يطلق بعض الفضلاء من طلبة العلم والعلماء عبارة "الأديان السماوية" ويقصد "الشرائع السماوية".

[2] تفسير ابن كثير 4/284

[3] غريب القرآن للخضيري.

[4] تفسير ابن كثير 2/67

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق