الأربعاء، 18 مارس 2020

مواقيت الصلاة في البيوت

مواقيت الصلاة في البيوت


يمر العالم هذه الأيام بفترة "حجر صحي" بسبب تفشي فيروس كورونا حول العالم، مما ألقى بظلاله على جوانب عدة في حياة الناس، فأثَّر على الاقتصاد العالمي، وعلى القطاعات الصحية من جانب آخر، وعلى نمط حياة الناس فصاروا يراجعون كثيراً من عاداتهم وتقاليدهم السلبية، ولم تسلم عبادات المسلمين من هذا الأثر؛ فقد أغلقت عدةُ دول مساجدها خوفاً من تفشي وباء كورونا بين المصلين.

ومما يلفت النظر أننا بدأنا نلاحظ المختصين -كلاً في تخصصه- يُسطِّرون الأبحاث في تخصصاتهم مما يتعلق بفيروس كورونا، فهذا الطبيب ينشر، والسياسي يحلل، والاقتصادي يُنظِّر، والشرعي يؤصل ... إلخ.

ومما لاحظته في هذه الأيام أننا كرجال شعرنا بنوع من التغيير في مواقيت صلاتنا بعد إغلاق المساجد، فقد كنا نلتزم بصلاة الجماعة -والإقامة محددة-، ولكن الآن لم يعد هناك وقت للإقامة نلتزم به.

فوجدت كثيراً من عامة الناس لا يزالون يلتزمون بذلك التوقيت؛ مما يشق عليهم، ويظنون أنه لازم لهم.

فأحببت كتابة المواقيت الشرعية تبييناً لغير المختص وتذكيراً للمختص.

* * *

فأقول وبالله التوفيق ..

إن الله عز وجل قد حدد المواقيت الشرعية للصلوات الخمس، فقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أي: فإنها واجبة في أوقات معلومة في الشرع.

فبيَّن سبحانه الأوقات فقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.

قال ابن الجوزي في تفسير هذه الآية: "قال الأزهري: "الآية جامعة للصلوات الخمس"، فيكون المعنى: أقم الصلاة من وقت زوال الشمس إِلى غسق الليل، فيدخل فيها الأولى، والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، فهذه خمس صلوات"[1].

وفصَّلت السُنة هذه المواقيت، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم بداية كل وقت ونهايته، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَن عبد الله بن عَمْرو أَن نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: "وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس وَكَانَ ظلّ الرجل كَطُولِهِ مَا لم يحضر الْعَصْر، وَوقت الْعَصْر: مَا لم تصفر الشَّمْس، وَوقت صَلَاة الْمغرب: مَا لم يغب الشَّفق، وَوقت صَلَاة الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط، وَوقت صَلَاة الصُّبْح: من طُلُوع الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس، فَإِذا طلعت الشَّمْس فَأمْسك عَن الصَّلَاة فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان ". وَفِي لفظ: "وَقت صَلَاة الْمغرب إِذا غَابَتْ الشَّمْس مَا لم يسْقط الشَّفق" رَوَاهُ مُسلم.

فيجوز للمسلم أن يصلي -في هذه الظروف- بين وقت بداية كل فريضة ونهايتها، ولا حرج، إلا أنه من المستحب أن يُعجِّل بالصلاة في أول وقت الظهر[2] والعصر[3] والمغرب[4] والفجر[5]، أما صلاة العشاء فيُستحب تأخيرها[6] إلى قُبيل منتصف الليل[7].

ومع ذلك فلا يأثم المسلم بتأخير الصلاة إلى آخر وقتها، فيصلي الفجر قبل طلوع الشمس، بوقت كافٍ يصلي فيه السُنة القبلية ثم الفريضة بتؤدة وطمأنينة.

وكذلك لو صلى الظهر قبل دخول وقت العصر بوقت كافٍ.

وقل مثل ذلك في صلاة المغرب.



*صلاتا العصر والعشاء:

أما صلاة العصر: فلا يجوز أن يصليها قبيل المغرب؛ لأنه وقت نهي، لكن يجوز أن يصليها قبل اصفرار الشمس -وهو الوقت المختار-، ويقدر تقريباً قبل أذان المغرب من 15 إلى 20 دقيقة، وليس قبل المغرب بخمس دقائق مثلاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تِلكَ صَلَاةُ المُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حتَّى إذَا كَانَتْ بيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا" رواه مسلم.

أي: الَّذي يُؤخِّرُ الصَّلاةَ لِهذا الوَقتِ بِغَيرِ عُذرٍ، يَجِلسُ يَرقُبُ الشَّمسَ، أي: يَنتظِرُ غُروبَها، حتَّى إذا كانتْ بَينَ قَرْنَيِ الشَّيطانِ، أي: يُحاذيها بِقَرنَيهِ عِندَ غُروبِها، قامَ فنَقرَها، أي: كنَقْرِ الطَّائرِ الحبَّةَ، أربعًا، أي: صلَّى أربعَ رَكعاتٍ لا يَذكُرُ اللهَ فِيها إلَّا قَليلًا، وفي هذا إشارَةٌ إلى سُرعةِ أداءِ صَلاتِه.

لكن إذا اضطر المسلم ولم يستطع أن يصليها إلا في وقت الكراهة -كمن كان نائماً- فلْيُصَلِّها ولا بأس، ولا تكن عادة له.

وأما صلاة العشاء: فلا يؤخرها إلى أكثر من منتصف الليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَقْتُ صَلاةِ العِشاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ الأوْسَطِ" أخرجه مسلم.

وتأخيرها إلى ثلث الليل أو منتصف أو قُبيله بقليل هو الأفضل، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ" متفق عليه.

قال الشيخ البسام -رحمه الله-: (الأفضل في العشاء التأخير، لولا المشقة التي تنال منتظري الصلاة-لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بهذه الصلاة في هذه الساعة المتأخرة)[8].

لكن إذا اضطر المسلم ولم يستطع أن يصليها إلا بعد منصف الليل-كمن كان نائماً- فلْيُصَلِّها ولا بأس، ولكن لا تكن عادة له.



تنبيهات:

-طريقة معرفة وقت منتصف الليل: الليل يبدأ من غروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر، اجمع ساعات الليل ثم اقسمه على اثنين، مثلاً: الآن تغرب الشمس في الساعة السادسة مساءً، ويطلع الفجر في الساعة 4:35 طول الليل= 10 ساعات و25 دقيقة، تقسيم 2 = 5 ساعات و12 دقيقة.

إذاً: منتصف الليل 11 مساءً و12 دقيقة. (لتاريخ 18 مارس، بتوقيت الكويت).

-ينبغي للمسلم ما دامت المساجد مغلقة أن يصلي مع أهل بيته جماعة، ولو مع امرأة، كزوجته أو أمه أو أخته أو بنته، قال ابن قدامة: "وتنعقد الجماعة باثنين فصاعدًا، لا نعلم فيه خلافًا... ولو أَمَّ الرجلُ عبدَه أو زوجته، أدرك فضيلة الجماعة"[9].

-لا تنعقد صلاة الجماعة مع مَن كان دون سن البلوغ على قول جمهور العلماء، وذهبت طائفة على أنها تنعقد بالمميز (سبع سنوات)، ولا تنعقد بمن دونه.



[1] زاد المسير 3/46

[2] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فدل الدليل أن الأصل فيها التعجيل.

[3] لما ورد عن أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِيْنَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ" متفق عليه.
فيه استحبابُ تعجيل صلاة العصر في أوَّل وقتها؛ فإنَّ الصحابة يصلُّونها مع النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ يذهبون إلى رحالهم في أقصى المدينة، والشمسُ حيَّةٌ مرتفعةٌ بيضاءُ نقيةٌ، لم تدخلْها صفرة المساء. (توضيح الأحكام 1/478).

[4] لحديث: "لا تزالُ أمتي بخيرٍ -أو قال على الفطرةِ- ما لم يؤخِّروا المغربَ إلى أن تشتَبِكَ النجومُ" أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديثِ: الحثُّ عَلى تَعجيلِ صلاةِ المغربِ.

[5] عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: " كن نسَاء الْمُؤْمِنَات يشهدن مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صَلَاة الْفجْر متلفعات بمروطهن ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ حِين يقضين الصَّلَاة لَا يعرفهن أحد من الْغَلَس ". مُتَّفق عَلَيْهِ، الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلَطَ بضوء الصبح.
وفيه: استحباب تعجيل صلاة الصبح، وذلك بأن يدخل فيها بغلس، حيث لا يزال ظلام الليل قد خالطه قليل من ضوء الصبح. (توضيح الأحكام 1/479).

[6] كما في حديث أبي برزة الأسلمي: "وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء" متفق عليه.

[7] قال الشيخ البسام: في حديث أبي برزة السابق: فيه "استحبابُ تأخير صلاة العشاء إلى عامَّة الليل، إلاَّ أنَّه لا يتجاوز ثلثه أو نصفه" (توضيح الأحكام 1/482)

[8] تيسير العلام بشرح عمدة الأحكام ص93

[9] المغني 2/ 131

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق