الأحد، 15 مارس 2020

كورونا


كورونا

الوباء (أو: الطاعون) هو انتشار مرض يهاجم عددًا من الناس في وقت واحد تقريبًا، وقد ينتشر الوباء في مجتمع واحد أو عدة مجتمعات، وعندما ينتشر مرض ما في إقليم معين بشكل دائم يقال إنه مرض متوطّن، وعندما ينتشر في كل العالم يقال إنه جائحة.
وتنتج الأمراض التي تعتبر وبائية من جراثيم وفيروسات تنتقل من شخص إلى آخر، ومن الأمثلة على هذه الأمراض: الحصبة والديفتيريا والكوليرا والإنفلونزا سارس ... إلخ[1].
* * *
ولا زال التاريخ يحدثنا عن كثير من الأوبئة والأمراض التي فتكت في البشرية، ومما يذكر منها[2]:
طاعون عمواس بالشام وقع في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهلك فيه خمسة وعشرون ألفاً، ومات فيه أبو عبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما.
ويذكر المؤخرون الغربيون عنه بقولهم: "في القرن السادس الميلادي، تسبب الطاعون الذي اجتاح الإمبراطورية الرومانية في وفاة بين 30 و50 مليون شخص، وهو ما قد يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت".
كما أدى الموت الأسود (الطاعون الأسود) في القرن الرابع عشر إلى وفاة ما يصل إلى 200 مليون شخص في شمال أفريقيا وآسيا وأوروبا، فحوالي 30 إلى 60 في المئة من سكان أوروبا لقوا حتفهم.
وفي نهاية القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر، قتل الاستعمار الأوروبي الملايين، للحد من انتشار الأوبئة التي لا يوجد لها علاج.
ومن هذه الأوبئة المروعة وأكثرها خطورة في العصر الحديث، ولا زالنا نعيش في آثاره، وباء الإنفلونزا أو ما عرف بـ "الأنفلونزا الإسبانية" الذي ضرب العالم في عام 1918، وأودى بحياة حوالي 50 مليون شخصاً في مختلف أنحاء العالم.
* * *
وفي 31 ديسمبر 2019، تلقت منظمة الصحة العالمية تنبيهاً بوجود حالات التهاب رئوي متعددة في مدينة ووهان Wuhan [3] الواقعة في إقليم هوباي بالصين، ولم تتطابق سمات الفيروس[4] مع أي فيروسات أخرى معروفة، مما أثار القلق لأن المنظمة تجهل مدى تأثير الفيروسات الجديدة على الناس.
وبعد أسبوع واحد، في 7 يناير، أكّدت السلطات الصينية أنها اكتشفت فيروساً جديداً بالفعل، هو فيروس "كورونا" المستجد، وينحدر هذا الفيروس الجديد من فصيلة فيروسات تشمل تلك التي تسبب نزلات البرد الشائعة ومتلازمة "سارس" ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وأُطلق على هذا الفيروس الجديد مؤقتاً اسم "فيروس كورونا المستجد" (2019-nCoV).
وتعكف المنظمة على العمل مع السلطات الصينية والخبراء الدوليين منذ يوم إبلاغها بهذا الحدث، من أجل أن تعلم المزيد عن هذا الفيروس وكيف يؤثر على المصابين به وطرق معالجته وما يمكن للبلدان أن تفعل من أجل التصدي لانتشاره[5].
وقد انتشر في الآونة الأخيرة في عدة دول، واجتاح القارة العجوز "أوروبا" آخذا من إيطاليا وإسبانيا بؤرةً لانتشاره.
* * *
أعراض الإصابة بـــ "كورونا":
قد درس فريق من العلماء الأمريكيين حالات إصابة بالفيروس من الصين ودول أخرى، لفهم المزيد عن المرض الذي يسببه ذلك الفيروس.
يؤكد العلماء أن فيروس كورونا يحتاج خمسة أيام في المتوسط لتظهر أعراضه التي ​​تبدأ بحمى، متبوعة بسعال جاف، وبعد نحو أسبوع، يشعر المصاب بضيق في التنفس، ما يستدعي علاج بعض المرضى في المستشفى. ونادرا ما تأتي الأعراض في صورة عطس أو سيلان مخاط من الأنف.
ولا تعني ظهور تلك الأعراض بالضرورة أنك مصاب بالمرض، فهي أعراض تشبه تلك المصاحبة لأنواع الفيروسات الأكثر شيوعا، مثل نزلات البرد والإنفلونزا.
ويمكن أن يسبب فيروس كورونا، في حالات الإصابة الشديدة، الالتهاب الرئوي، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد، وقصور وظائف عدد من أعضاء الجسم وحتى الوفاة[6].
وبالنسبة لأي شخص لا تظهر عليه الأعراض في غضون 12 يوما، فمن غير المرجح أن تظهر عليه بالمرة، لكنه يظل حاملا للعدوى.
وينصح الباحثون الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا حاملين للفيروس، سواء ظهرت عليهم الأعراض أو لم تظهر، بعزل أنفسهم لمدة 14 يوما لتجنب نقل العدوى إلى آخرين.
ويعتقد الخبراء أن معظم الأشخاص الذين يصابون بالعدوى، لن يكون لديهم سوى اعتلال طفيف في الصحة، بينما لن تظهر لدى بعضهم الآخر أعراض بالمرة، أي يحملون الفيروس لكن دون ظهور أعراض.
لكن هذا المرض قد يكون خطيرا جدا ومميتا بالنسبة للبعض، خاصة كبار السن الذين يعانون من مشكلات صحية موجودة من قبل.
ومن الأشياء التي تبعث على الاطمئنان أنه "لا يكاد يكون هناك أي دليل على أن الناس يمكن أن ينقلوا الفيروس بشكل روتيني خلال الفترة الخالية من الأعراض"، ويُعتقد أن الأشخاص يكونون أكثر قابلية لنقل العدوى عندما تظهر لديهم أعراض واضحة، مثل السعال والحمى[7].

هذا من الناحية الطبية، أما من الناحية الشرعية:
فإن الله عز وجل يبتلي البشرية بتلك الأوبئة حتى يري الناس ضعفهم وقصورهم، وحتى يتوب المسيء ويرجع المذنب، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}
تفسير الآية: "ولقد بعثنا إلى جماعات من الناس من قبلك -يا محمد- رسلاً يدعونهم إلى الله تعالى، فكذَّبوهم، فابتليناهم في أموالهم بشدة الفقر وضيق المعيشة، وابتليناهم في أجسامهم بالأمراض والآلام؛ رجاء أن يتذللوا لربهم، ويخضعوا له وحده بالعبادة، فهلَّا إذ جاء هذه الأممَ المكذبةَ بلاؤنا تذللوا لنا، ولكن قست قلوبهم، وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من المعاصي، ويأتون من الشرك"[8].
فيجب علينا عند نزول البلاء أن نلجأ إلى الله عز وجل، ونتوب إليه حتى يرفع عنها البلاء والوباء.
وهل تصيب هذه الأمراض المسلمين أيضاً؟
نعم، فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: سألتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون؟ فقال:" كان عذاباً يَبعثُه الله على مَن كان قبلكم، فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما مِن عبد يكون في بلد يكون فيه، فيمكث فيه لا يخرج من البلد، صابراً مُحْتَسباً، يعلم أنه لاُ يصيِبُه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثْلُ أجرِ شهيد" أخرجه البخاري.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الطاعونُ شهادةٌ لأُمَّتي، ورحمةٌ لهم، ورِجسًا على الكافرين"[9].
ففي هذا الحديث بشارة للمسلمين والصبر على قدر الله تعالى إذا وقع، وأن الموتى في تلك الأوبئة يختلفون، فالمسلم شهيد مرحوم، والكفار معذب هالك.
فإن قيل: ما دام كون الطاعون شهادة فلماذا لا نصبر عليه، ولماذا ندعو الله أن يرفعه عنا؟
الجواب: كما أن الموت جهاداً في سبيل الله تعالى شهادة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أيُّها النَّاسُ، لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا" متفق عليه، كذلك في الطاعون لا يتمنى الإنسان أن يُصاب به؛ خشيةَ أن يجزع ولا يصبر على البلاء فيموت بسوء خاتمة، ولكن إن قدر الله تعالى وأُصيب به، فليصبر وليحتسب، ولكن ما دام في عافية فلا يتمنى أن يُصاب به.
ومن أحكام الأوبئة: عدم الذهاب لتلك المناطق الموبوءة، وعدم الخروج منها لمن كان فيها، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سمعتم به -الطاعون- بأرض فلا تَقْدمُوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِراراً منه". أي: حتَّى لا يَنْتَشِرَ الوَباءُ خارِجَ المَكانِ الذي بَدأ فيه.
وكذلك مما وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَهُ، أن المريض لا يذهب للسليم حتى لا ينقل له المرض بالعدوى، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ" متفق عليه.
أي: لا يُؤتَى بمريضٍ على صَحيحٍ سَليمٍ؛ مخافَةَ أن يُعديَه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل مرض دواء، ولكنه قد يُكتشف وقد لا يُكتشف، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لم يُنزِلْ داءً إلَّا وقد أَنزلَ معَهُ دواءً، جَهِلَهُ منكُم من جَهِلَهُ، وعلِمَهُ منكُم مَن علِمَهُ" أخرجه أحمد في المسند.
وحث الناس على التداوي فقال صلى الله عليه وسلم: "تداوَوْا فإنَّ اللهَ لم يُنزِلْ داءً إلَّا وقد أنزَل له شفاءً، إلَّا السَّامَ والهَرَمَ" حديث صحيح أخرجه ابن ماجه وابن حبان.
السام: الموت.  والهرم: الشيخوخة.
ويجب على المسلم أن يكون رابط الجأش مطمئن الفؤاد؛ لأنه يعيش بقدر الله عز وجل ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لولده:
"يا بُنَيَّ، إنَّك لن تَجِدَ طَعمَ حقيقةِ الإيمانِ حتى تعلَمَ أنَّ ما أصابَك لم يكُنْ لِيُخْطِئَك، وما أخطَأَك لم يكُنْ لِيُصيبَك، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ أوَّلَ ما خلَقَ اللهُ القَلَمُ، فقال له: اكتُبْ، قال: ربِّ، وماذا أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كُلِّ شَيءٍ حتى تقومَ السَّاعةُ، يا بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن ماتَ على غيرِ هذا، فليس مِنِّي"[10].
ومع ذلك يأخذ بالأسباب اللازمة للوقاية، فإن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب، فقد قالَ النَّبيُّ للأعرابيِّ الَّذي تركَ النَّاقةَ سائبةً متوكلاً علَى اللهِ: فقالَ لهُ: "اعقِلها وتوَكَّلْ"[11].
وينبغي أن يحتسب المؤمن الأجر، ويكون صابراً، فلا يجزع؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له" أخرجه مسلم.
وأخيراً .. {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}



[1] وتساعد معرفة مسبب المرض وطريقة انتشاره في القضاء على الأوبئة، فعلى سبيل المثال: تسبب "الطاعون الدبلي" في هلاك حوالي 60 مليون شخص في أوروبا في العصور الوسطى، ثم عرف الناس أنهم أصيبوا بالمرض من براغيث تحملها الجرذان المصابة، وعندما تم قتل الجرذان توقف الوباء.
والكفاح ضد الأوبئة من أكثر قصص الطب إثارة، ومن أساليب هذا الكفاح تحصين الناس ضد المرض، ومعالجتهم إذا أصيبوا بالمرض، وحفظ البيئة نظيفة لكي لا تتكاثر الجراثيم، وإرغام الناس على الحجر الصحي (منع انتشار المرض)، وتوعية الناس ليصبحوا نظيفين ويحافظوا على صحتهم.
[2] انظر كتاب ابن حجر: "بذل الماعون في فضل الطاعون" ذكر فيه جملة من الأوبئة عبر التاريخ الإسلامي.
[3] ووهان هي عاصمة مقاطعة هوبي وتعد أكبر مدينة فيها والأكثر اكتظاظا بالسكان في وسط الصين، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 11 مليون نسمة، وسابع أكثر المدن الصينية اكتظاظا بالسكان، واحدة من تسع مدن وطنية مركزية في الصين
[4] والفيروسات أصغر من البكتيريا، وهي تبلغ حدًا من الصغر حتى إن العلماء لا يستطيعون رؤيتها إلا باستخدام المجاهر الإلكترونية القوية، ويبدو الفيروس في حد ذاته وكأنه جسيم عديم الحياة، ولكن بعد أن يغزو الفيروس إحدى الخلايا الحية، فإنه يتحول إلى كائن نشط قادر على التكاثر السريع، وأثناء تكاثر الفيروس فإنه يتلف ويدمر الخلية، وعندما تصاب عدة خلايا يحدث المرض.
تسبب الفيروسات العديد من الأمراض الشائعة، مثل الجدري الكاذب والحصبة الألمانية والحصبة والنكاف، والفيروسات مسؤولة أيضا عن مرض الإنفلونزا ونزلات البرد، وفي الواقع فإن العلماء قد تعرفوا على أكثر من 100 نوع مختلف من الفيروسات التي تسبب نزلات البرد، ومعظم حالات الإسهال والقيء تحدث بسبب عدوى فيروسية، وتسبب الفيروسات أيضا العديد من الأمراض الخطيرة مثل الالتهاب الكبدي وشلل الأطفال وداء الكلب، والإيدز (متلازمة عوز المناعة المكتسب) .
[5] منظمة الصحة العالمية: https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019
[6] https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-51501472
[7] https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-51815892
[8] التفسير الميسر
[9] أخرجه أحمد والطبراني وصححه الألبان في صحيح الجامع 60
وقال: "الطَّاعونُ شَهادةٌ لأمَّتي، وخزُ أعدائِكُم منَ الجنِّ، غدَّةٌ كغدَّةِ الإبلِ، تخرُجُ بالآباطِ والمَراقِّ، مَن ماتَ فيهِ ماتَ شَهيدًا، ومَن أقامَ فيهِ كانَ كالمرابطِ في سبيلِ اللَّه، ومَن فرَّ منهُ كانَ كالفارِّ منَ الزَّحفِ" السلسلة الصحيحة.
[10] أخرجه أبو داود (4700) مختصراً بنحوه، والترمذي (2155) باختلاف يسير، وأحمد (22705) واللفظ له، حسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط.
[11] أخرجه أبو داود (3801)، والترمذي (1791)، والنسائي (2836)، وابن ماجه (3085) وأحمد (14465) وصححه الألباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق