الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

 زهرة التوليب والبيتكوين .. حين تتكرر الفقاعات بثياب مختلفة


في تاريخ الاقتصاد العالمي، ظهرت أزمات مالية متشابهة في جوهرها رغم اختلاف الزمان والمكان، تتكرر فيها ذات الملامح: ارتفاع جنوني في الأسعار، مضاربة محمومة، وثقة نفسية هشة، ثم انهيار مفاجئ يطيح بالثروات ويكشف هشاشة الأسس التي بُنيت عليها هذه الأسواق.

من العصر الهولندي الذهبي، مرورًا بـالكويت في ثمانينيات القرن الماضي، وصولًا إلى العملات الرقمية في العصر الحديث، تتجلى أمامنا نماذج لفهم كيف تتحول الأسواق إلى فقاعات اقتصادية إذا غابت الرقابة الكاملة، وسادت شهوة الربح السريع.

فقاعة التوليب: زهور تُباع بثمن القصور!

في ذروة العصر الذهبي الهولندي، بين عامي 1634 و1637، اجتاحت البلاد موجة جنون استثماري تُعرف بـ "فقاعة التوليب"، حيث تحوّلت زهرة التوليب النادرة المجلوبة من ديار العثمانيين إلى سلعة مضاربة لا مثيل لها؛ حيث كانت رمزاً للثراء "المزيّف"، تجاوزت أسعار بعض بُصيلات التوليب في تلك الفترة قيمة المنازل الفاخرة، بل وجرى تداول العقود الآجلة لها كما لو كانت سبائك ذهبية.

تسارع الناس إلى شراء "التوليب" على آثار بعضهم يُهرعون .. لم يكن الغرض من الشراء اقتناء الزهور أو زراعتها، بل فقط إعادة بيعها بسعر أعلى، مدفوعين بأمل الثراء السريع، وفي لحظةِ شَكٍّ .. انهار السوق، وانهارت معها الثروات الورقية، ليكتشف الناس أنهم كانوا يبيعون الوَهْم لبعضهم البعض!

أزمة سوق المناخ: أسهم على الورق وثقة بلا أساس!

بعد أكثر من ثلاثة قرون من الحادثة الهولندية، شهدت الكويت ظاهرة مشابهة في صورة أزمة سوق المناخ عام 1982؛ ففي سوق "غير رسمي"، وخارج "الرقابة المالية"، نشطت حركة بيع وشراء لأسهم شركات أغلبها لا يملك إنتاجًا حقيقيًا، بل كان مدفوعًا بالمضاربة والعقود الآجلة المفتوحة.

ارتفعت آنذاك الأسعار بصورة خيالية حتى فقدت أي صلة بقيمتها الواقعية -كزهرة التوليب- وعندما بدأت الثقة تتآكل، انهار السوق سريعًا، وانكشف حجم الكارثة: شيكات مؤجلة بمليارات، وخسائر شخصية ومؤسسية ضخمة، واضطرت الدولة إلى التدخل لاحتواء الأزمة، كانت النتيجة درسا قاسيًا عن خطورة الأسواق غير المنظمة عندما تستولي عليها شهوة الربح بلا ضوابط.

العملات الرقمية: فقاعة بثوب رقمي!

في العقدين الأخيرين، ظهرت العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين، كظاهرة مالية جديدة جذبت أنظار المستثمرين حول العالم، ورغم أن هذه العملات تستند إلى تقنيات متقدمة مثل "البلوك تشين"، إلا أن طبيعة التداول فيها -خصوصًا في مراحل الصعود الحاد- أظهرت تشابهًا لافتًا مع الأزمات السابقة؛ فالمضاربة الواسعة، والتوقعات النفسية الجامحة، والشراء بدافع اللحاق بركب الثراء، كلها سمات تكررت.

وقد شهدت البيتكوين وغيرها من العملات ارتفاعات مذهلة وانهيارات عنيفة في فترات قصيرة، مما يعكس هشاشة جزء كبير من هذا السوق، خاصة في ظل غياب التنظيم الصارم والاعتراف الحكومي الشامل.

الشريعة ونظرتها الاستباقية ..

ومن أجل كل هذه الدروس المتكررة، جاءت الشريعة الإسلامية بمنهج استباقي يُحصّن السوق من مثل هذه الكوارث؛ فنهى النبي ﷺ عن صور عديدة من البيوع التي تقوم على الغرر والجهالة والمقامرة، كـ "بيع الغرر"، و"بيع ما لا تملك"، و"بيع ‌حَبَلِ ‌الْحَبَلَةِ"[1]، لما في هذه المعاملات من مخاطرة مفرطة وأوهام ربحية قد تُفضي إلى الفساد والظلم.

خلاصة المشهد ..

من زهور التوليب إلى أسهم المناخ إلى العملات الرقمية، تتكرر الظاهرة: فقاعة تبدأ بمؤشر طمع، ثم تتضخم بالتوقعات النفسية، وتنتهي بانفجار مؤلم، وكلما غاب التنظيم، وضعُف "الوعي الجَمْعي"، وزاد الاعتماد على "سلوك القطيع" .. أصبحت الأسواق أكثر عرضة للانهيار.



[1] بيع ‌حبل ‌الحبلة: هو بيع كان يتبايعه أهل الجاهلية، يبيع أحدهم ناقته بحمل ناقة أخرى، أو بولد ولدها، أو يبيع ولد الولد، فيقول: بعتك ولد ما في بطن هذه الناقة، إذا حملت هذه الناقة ثم حملت الناقة التي تلدها، فإذا ولدت بكرة فإني أبيعك ذلك المولود، ولا شك أن هذا غرر؛ لأنه بيع معدوم، قد يحصل وقد لا يحصل.

شرح (سر على مهلك) 4

 

خالفِ المرأة لا تَسمَع لها

فَالرَّزايا جُمعت في رَأيها

وإذا قالت فلا تُصْغِ لها

(واترك الغادة لا تَحفَل بها)

(تُمْسِ في عزّ رفيع وتجلّ)

يبدو أن الناظم لم يرد أن يدع خيراً في النساء!، وعلى كل حال ما ذكره الناظم هو الحال الغالب على النساء؛ يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم "‌كَمَلَ ‌مِنَ ‌الرِّجَالِ ‌كَثيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" متفق عليه، ففي الحديث أن النساء الكُمَّل قليل.

بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِنْ ‌نَاقِصَاتِ ‌عَقْلٍ ‌وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ" متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ ‌خُلِقَتْ ‌مِنْ ‌ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ؛ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ؛ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" متفق عليه.

ولَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا ‌أَمْرَهُمُ ‌امْرَأَةً" أخرجه البخاري.

كما أنه لا ينغي ترك تدبير المعيشة في يد المرأة؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 5] والمقصود بالسفهاء: النساء، والصبيان، قاله الصحابي عبد الله بن مسعود.

وبَيـَّنَ ابنُ عباس تفسير هذه الآية، فقال: "لا تَعْمَدْ إلى مالِكَ وما خوَّلَّكَ اللهُ وجعلَهُ لك عِيشَةً، فتعطيه امرأتَك أو بنيك؛ ثم تُضطرَّ إلى ما في أيديهم، ولكن أمسِكْ مالَكَ، وأصلِحْهُ، وكُن أنتَ الذي تُنفِقُ عليهم في كسوتهم ورزقهم ومُؤْنتِهم".

كذلك العاقل لا يضع سره عند امرأة؛ فإن صدرها بالسر أضيق من سَمِّ الخِياط، قال عمر رضي الله عنه: "خصلتان من علامة الجهل: مشاورة ‌النّساء والصبيان، واستكتام السرّ النساء والصبيان".

فالعقل من صفات الرجال، والمرأة خلقها الله بمزايا أخرى، كما قيل: "‌عقل ‌المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله"[1].

وما ذكرته هو الأعم الأغلب.

* * *

وقد جاءت نصوص شرعية تبين أن بعض النساء لديهن عقل راجح، من ذلك خديجة -رضي الله عنها- حين جاءها النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى جبريل على هيئته العظيمة التي خلقه الله عليه وله ستمائة جناح، "فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: "‌زَمِّلُونِي ‌زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" متفق عليه.

ومن ذلك قصة أم سلمة -رضي الله عنها- في الحديبية لما صالح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً على الرجوع، وعدم دخول مكة عامهم هذا، قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا"، قال الراوي: "فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فلما فعل ذلك ، قاموا فنحروا".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقا: "فيه جواز مشاورة المرأة الفاضلة".

* * *

وقول الناظم: (واتْرُكِ الغادَةَ لا تَحفَل بها ... تُمْسِ في عزّ رفيع وتجلّ).

الغادة: الفتاة الناعمة اللينة.

لا تحفل بها: أي لا تبالِ بها، يقال: حَفَلْتُ بكذا، أي باليتُ به، ويقال: ‌لا ‌تَحْفلْ به[2].

يعني أن مَن تعلق قلبه بالحب والعشق، ابتعد عن العزة والإجلال، فصاحب العشق تعتريه مسكنة ومذلة، وينشغل بمحبوبه عن معالي الأمور وعزيزها، كما قال عنترة العبسي:

مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ

مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ

وقد قُدمت جارية حسناء لأحد قادة الفتوح المسلمين، فنظر إليها وقال: كم أنت جميلة، ولكني مشغول عنكِ بما هو أعظم!

فالشاهد أن العشق والتعلق به يُقعد المرء عن معالي الأمور، ورفيع المقامات، بل يضع من قدره، ويؤخره عن ركب النجاحات.

قال أبو الخطاب الكلوذاني (ت 510 هـ):

دَعْ عنك ‌تَذْكارَ ‌الخليطِ المُنْجِدِ

والشوقَ نحو الآنساتِ الخُرَّدِ

والنَّوْحَ في أطلال سُعدى إنما

تَذْكارُ سُعدى شُغْلُ مَنْ لم يُسْعَدِ




[1] التمثيل والمحاضرة (ص217).

[2] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1671).

الجمعة، 1 أغسطس 2025

حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) لا يصح !

حديث: (استعينوا على قضاء (أو: إنجاح) حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) لا يصح !



لا شك أن تغير الزمان والعادات والثقافات يعد من عوامل بروز بعض النصوص والمقولات التراثية التي تخدم تلك المرحلة، حسب طبيعة الزمان والمكان، وفي زماننا هذا وانتشار النعمة وانفتاح الناس على بعضهم البعض برز حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، ولا شك أن معنى الحديث صحيح؛ فإن العين حق، ولكن هل تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟، لأن نسبة قول إليه لم يقله يعد من كبائر الذنوب، وهو القائل: (مَن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)!

هذا الحديث أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير"[1]، والعقيلي في "الضعفاء"[2]، وابن عدي في "الكامل"[3]، وأبو نعيم في "الحلية"[4] من حديث: سعيد بن سلام، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل مرفوعاً به.

وسعيد بن سلام قال عنه البخاري: يُذكر بوضع الحديث، بل قال الإمام أحمد بن حنبل: كذاب![5].

وقال الذهبي: "ومن منكراته: عن ثور، عن خالد بن معدان، عن معاذ حديث: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود"[6].

وأخرج ابن عدي في "الكامل"[7] متابعة له من طريق: حسين بن علوان، عن ثور بن يزيد به، وقال: عامة أحاديث حسين بن علوان موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث.

وله متابع آخر أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" من طريق: ‌عمر ‌بن ‌يحيى ‌القرشي، ثنا شعبة، عن ثور بن يزيد به[8].

قال ابن الجوزي: "عمر ‌بن ‌يحيى يروي عن شعبة، قال أبو نعيم الأصبهاني: متروك الحديث"[9].

وأخرج أبو الشيخ في "الأمثال"[10] قال: حدثنا نوح بن منصور، ثنا ‌محمد ‌بن ‌معقل، ثنا وكيع، عن ثور بن يزيد به.

ونوح بن منصور: مجهول[11]، كذلك شيخه: محمد ‌بن ‌معقل.

وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب أخرجه الخرائطي في "اعتلال القلوب"[12]، من حديث: حَلْبَس بن محمد، عن جريج قال: قال عطاء بن أبي رباح: قال عمر بن الخطاب مرفاعاً به.

وحلبس: متروك الحديث[13].

وله شاهد آخر من حديث أبي موسى الأشعري أخرجه محمد بن الحسن السلمي في "آداب الصحبة"[14]، من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا به.

وفي إسناده مَن لا يُعرف، والسلمي نفسه ليس بثقة، قال الذهبي: شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم، تكلموا فيه، وليس بعمدة، وقيل: كان يضع الأحاديث للصوفية[15].

وله شاهد أيضاً من حديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان في "نزهة الفضلاء"[16] والسهمي في "تاريخ جرجان"[17] من حديث: سهل بن عبد الرحمن، عن محمد بن مطرف أبي غسان، عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن أبي هريرة مرفوعاً به.

وسهل بن عبد الرحمن قال الألباني: (وهو عندي سهل بن عبد الرحمن المعروف بـ "السندي بن عبدويه الرازي" وذكره ابن حبان في "الثقات" كما في "اللسان"، فالحديث بهذا الإسناد جيدٌ عندي)[18].

قلت: وتتمة قول ابن حبان في الثقات: "... يُغرِب"[19]، فالحديث هذا لا شك أنه من غرائبه، والقول الأولى بالصواب يقتضي بعدم تصحيح هذا الحديث، بل إلى الوضع أقرب كما قال الإمام أحمد وغيره.

قال مهنأ: سألت أحمد ويحيى بن معين عن قول الناس: "استعينوا على طلب حوائجكم ‌بالكتمان"؟ فقالا: هذا موضوع، وليس له أصل[20]. وقال أبو حاتم: "منكر"[21].

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"[22]، والسيوطي في "موضوعاته"[23].



[1] المعجم الصغير للطبراني (2/ 292)

[2] في "الضعفاء" (2/ 109)

[3] في "الكامل" (3/ 1240)

[4] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة (5/ 215) و (6/ 96).

[5] ميزان الاعتدال (2/ 141)

[6] ميزان الاعتدال (2/ 141)

[7] في "الكامل" (2/ 771)

[8] في "أخبار أصبهان" (2/ 217)

[9] الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (2/ 219).

[10] في "الأمثال" (ص 238 رقم 200)

[11] انظر: بلوغ الأماني بتراجم شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني (2/ 1090).

[12] اعتلال القلوب - الخرائطي (2/ 335): 680.

[13] ميزان الاعتدال (1/ 587)

[14] آداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص70)

[15] ميزان الاعتدال (3/ 523)

[16] نزهة الفضلاء ص252

[17] تاريخ جرجان (ص223)

[18] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 438)

[19] الثقات لابن حبان (8/ 304)

[20] المنتخب من علل الخلال (1/ 83)

[21] أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ص52).

[22] الموضوعات لابن الجوزي (2/ 164)

[23] اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (2/ 68)

الجمعة، 28 مارس 2025

شرح (سر على مهلك) 3

 

هذه نفسك قد أهملتها

وعلى فعل الدُّنى ربيتها

كم لذِيذًا سالفًا غذيتها

(إن أهنا عيشة قضَّيتها)

(ذهبت لذّاتها والإِثمُ حلّ)

قال: (هذه نفسك قد أهملتها) وإهمال النفس يكون بترك ما ينفعها من فعل الخيرات، كطلب العلم، والحرص على الطاعات، واستغلال الأوقات، يقول: كل ذلك لم يكن منك، بل آثرت الكسل والدعة والمباحات فيما لا يعود عليك بالنفع.

بل تجاوز الأمر المباحات، فصرت: (على فعل الدُّنى ربيتها) أي: ربيت نفسك على الأمور الدنيئة، وأبعدتها عن معالي الأمور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ويُحِبُّ معَالِي الأَخْلاقَ، ويَكْرَهُ ‌سَفْسَافَها"[1]، أَي: رديئها وحقيرها.

ومن الأمور الدنيئة: فعل ما يضع من قدر المرء، مثل: المجون، وهي البَذاءة وقِلَّة الحَياء، يُقَال: "يُفْسد الرجلَ ‌المجونُ كَمَا يُفْسد الماءَ الأجونُ"، أي: إذا تغير طعمه أو لونه أو رائحته بطول المكث.

قال: (كم لذِيذًا سالفًا غذيتها) كم هنا استفهامية؛ لأن مفردها منصوب، قال الحريري:

وكمْ إِذا جِئْتَ بهَا مُستَفهِمَا

فانصِبْ وقُلْ: كمْ كوكبًا تَحوي السَّمَا

يتساءل الناظم عن الملذات المحرمة التي نلتَها واستمتعتَ بلذتها، كم مرة كررتها وفعلتها؟! ويريد أنك أوقعت نفسك في كثير من الملذات المحرمة، لذلك قال بعدها مُرهِّباً ومذكراً:

(إن أهنا عيشة قضَّيتها .. ذهبت لذّاتها والإِثمُ حلّ) يعني: أنَّ أطيبَ وأحلى وألَذَّ معصية تمتعت بها، وقضيت وقتاً في التقلب فيها .. ذهبتْ ومرَّتْ وسرعان ما انقضتْ لذتها؛ (والإثمُ حَلْ) أي : ثبت عليك في صحيفة عملك.

قال تعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ أي: مَن يعمل منكم عملًا سيئًا يجازَ به يوم القيامة، ما لم يتب.

فالعاقل يجعل الآخرة نصب عينيه، ولا يُقْدِم على أمرٍ يضره في الآخر ولو أحبه، قال الإمام أحمد: "الفُتُوَّةُ: تركُ ما تهوى لما تخشى".

وينسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:

تفنى اللَذاذَةُ مِمَّن نالَ صَفوَتَها

مِنَ الحَرامِ وَيَبقى الإِثمُ وَالعارُ

تُبقي عَواقِبَ سوءٍ في مَغَبَّتِها

لا خَيرَ في لَذَةٍ مِن بَعدِها النارُ

وقال الحسين بن مُطير:

ونَفْسَكَ أكرِمْ عن أمورٍ كثيرةٍ

فما لك نفسٌ بعدها تستعيرُها

ولا تقرَبِ المَرْعى الحرام فإنَّما

حلاوتُه تَفْنَى ويبقى مَريرُها

ومما ورد في كف النفس عن الشهوة بعد التمكن منها مخافةَ الآخرة، ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر في الثلاثة الذين "أووا إلى غارٍ في الجبل، فانحطَّتْ عليهم صخرةٌ من الجبل، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظرُوا أعمالًا صالحة عملتُمُوها، فادْعوا الله بها ... وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنةُ عمٍّ فأحببتُها كأشدِّ ما يُحبُّ الرِّجالُ النِّساءَ، فطلبتُ إليها نفسها، فامتنعت مني، حتى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ (أي: سنة مجاعة)، فجاءتني [محتاجة] فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، قالت: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ ‌الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ، وتركتُ الذَّهبَ الذي أعطيتها .. اللهم إن كنتُ فعلتُ ابتغاء وجهك، فَافْرُجْ عَنَّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة".



[1] أخرجه الطبراني والحاكم، وانظر: الجامع الصغير وزيادته: ‌‌2682