حديث: (استعينوا
على قضاء (أو: إنجاح) حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) لا يصح !
لا شك أن تغير الزمان والعادات والثقافات يعد من عوامل بروز بعض النصوص والمقولات التراثية التي تخدم تلك المرحلة، حسب طبيعة الزمان والمكان، وفي زماننا هذا وانتشار النعمة وانفتاح الناس على بعضهم البعض برز حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، ولا شك أن معنى الحديث صحيح؛ فإن العين حق، ولكن هل تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟، لأن نسبة قول إليه لم يقله يعد من كبائر الذنوب، وهو القائل: (مَن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)!
هذا الحديث أخرجه الطبراني في "المعجم
الصغير"[1]، والعقيلي
في "الضعفاء"[2]،
وابن عدي في "الكامل"[3]،
وأبو نعيم في "الحلية"[4]
من حديث: سعيد بن سلام، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل مرفوعاً
به.
وسعيد بن سلام قال عنه
البخاري: يُذكر بوضع الحديث، بل قال الإمام أحمد بن حنبل: كذاب![5].
وقال الذهبي: "ومن
منكراته: عن ثور، عن خالد بن معدان، عن معاذ حديث: استعينوا على إنجاح الحوائج
بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود"[6].
وأخرج ابن عدي في
"الكامل"[7]
متابعة له من طريق: حسين بن علوان، عن ثور بن يزيد به، وقال: عامة أحاديث حسين بن
علوان موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث.
وله متابع آخر أخرجه
أبو نعيم في "أخبار أصفهان" من طريق: عمر بن يحيى القرشي، ثنا شعبة،
عن ثور بن يزيد به[8].
قال ابن الجوزي:
"عمر بن يحيى يروي عن شعبة، قال أبو نعيم الأصبهاني: متروك الحديث"[9].
وأخرج أبو الشيخ في
"الأمثال"[10]
قال: حدثنا نوح بن منصور، ثنا محمد بن معقل، ثنا وكيع، عن ثور بن يزيد به.
ونوح بن منصور: مجهول[11]،
كذلك شيخه: محمد بن معقل.
وله شاهد من حديث عمر
بن الخطاب أخرجه الخرائطي في "اعتلال القلوب"[12]،
من حديث: حَلْبَس بن محمد، عن جريج قال: قال عطاء بن أبي رباح: قال عمر بن الخطاب
مرفاعاً به.
وحلبس: متروك الحديث[13].
وله شاهد آخر من حديث
أبي موسى الأشعري أخرجه محمد بن الحسن السلمي في "آداب الصحبة"[14]،
من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا به.
وفي إسناده مَن لا
يُعرف، والسلمي نفسه ليس بثقة، قال الذهبي: شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم
وتفسيرهم، تكلموا فيه، وليس بعمدة، وقيل: كان يضع الأحاديث للصوفية[15].
وله شاهد أيضاً من
حديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان في "نزهة الفضلاء"[16]
والسهمي في "تاريخ جرجان"[17]
من حديث: سهل بن عبد الرحمن، عن محمد بن مطرف أبي غسان، عن محمد بن المنكدر، عن
عروة، عن أبي هريرة مرفوعاً به.
وسهل بن عبد الرحمن
قال الألباني: (وهو عندي سهل بن عبد الرحمن المعروف بـ "السندي بن عبدويه
الرازي" وذكره ابن
حبان في "الثقات" كما في "اللسان"، فالحديث بهذا الإسناد جيدٌ
عندي)[18].
قلت: وتتمة قول ابن
حبان في الثقات: "... يُغرِب"[19]،
فالحديث هذا لا شك أنه من غرائبه، والقول الأولى بالصواب يقتضي بعدم تصحيح هذا
الحديث، بل إلى الوضع أقرب كما قال الإمام أحمد وغيره.
قال مهنأ: سألت أحمد
ويحيى بن معين عن قول الناس: "استعينوا على طلب حوائجكم بالكتمان"؟ فقالا:
هذا موضوع، وليس له أصل[20].
وقال أبو حاتم: "منكر"[21].
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"[22]،
والسيوطي في "موضوعاته"[23].
[1] المعجم الصغير للطبراني (2/ 292)
[2] في "الضعفاء" (2/ 109)
[3] في "الكامل" (3/ 1240)
[4] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة (5/ 215) و (6/ 96).
[5] ميزان
الاعتدال (2/ 141)
[6] ميزان
الاعتدال (2/ 141)
[7] في
"الكامل" (2/ 771)
[8] في
"أخبار أصبهان" (2/ 217)
[9] الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (2/ 219).
[10] في
"الأمثال" (ص 238 رقم 200)
[11] انظر: بلوغ الأماني بتراجم شيوخ أبي
الشيخ الأصبهاني (2/ 1090).
[12] اعتلال القلوب - الخرائطي (2/ 335): 680.
[13] ميزان
الاعتدال (1/ 587)
[14] آداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي
(ص70)
[15] ميزان
الاعتدال (3/ 523)
[16] نزهة
الفضلاء ص252
[17] تاريخ جرجان (ص223)
[18] سلسلة
الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 438)
[19] الثقات
لابن حبان (8/ 304)
[20] المنتخب
من علل الخلال (1/ 83)
[21] أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب
(ص52).
[22] الموضوعات لابن الجوزي (2/ 164)
[23] اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة
(2/ 68)