الاثنين، 10 أغسطس 2020

شرح البيقونية (17) الغريب

 

الغريب

16 - ... وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ

الغريب في اللغة: مأخوذ من الغرابة تقول: غَرُبَ الشخص عن وطنه أي بَعُدَ، وجمعه: غُرَباء[1].

وفي الاصطلاح: ما رواه واحدٌ منفردٌ بروايته في أي موضع من السند[2].

أي: هو الحديث الذي يستقل بروايته شخص واحد، في طبقة من طبقات السند، ولو في واحدة فقط، ولا تضر الزيادة على واحد في باقي طبقات السند؛ لأن العبرة للأقل.

ويطلق كثير من العلماء على "الغريب" اسما آخر، هو "الفَرْد" على أنهما مترادفان، ولكن غايَرَ بعضُ العلماء بينهما، فجعل كلا منهما نوعا مستقلا، أما الحافظ ابن حجر فإنه يعدهما مترادفين[3].

وأوضح تفريقاً دقيقاً عند المحدثين فقال: "الفردُ أكثر ما يُطْلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يُطْلقونه على الفرد النسبي"[4].

والغريب المطلق "أو الفرد المطلق": هو ما كانت الغرابة في أصل سنده، أي ما يتفرد بروايته شخص واحد في أصل سنده.

مثاله: حديث "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى"[5] تفرد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلا تجد صحابياً يروي هذا الحديث غير عمر.

هذا وقد يستمر التفرد إلى آخر السند، وقد يرويه عن ذلك المتفرد عدة من الرواة.

أما الغريب النسبي "أو الفرد النسبي": هو ما كانت الغرابة في أثناء سنده، يرويه أكثر من راوٍ في أصل سنده، ثم ينفرد بروايته واحد عن أولئك الرواة.

2- مثاله: حديث مالك، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ". تفرد به مالك، عن الزهري.

والفرد النسبي على أنواع:

1 - تفرد شخص عن شخص، مثاله: ما رواه أصحاب السنن الأربعة، من طريق سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أولم على صفية بسويق وتمر» .

قال ابن طاهر: تفرد به وائل، عن ابنه، ولم يروه عنه غير سفيان.

2 - تفرد أهل بلد برواية حديث، مثال: ما رواه أبو داود، عن أبي الوليد الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» قال الحاكم: تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة، من أول الإسناد إلى آخره، ولم يشاركهم في هذا اللفظ سواهم.

3 - تفرد أهل البلد عن أهل بلد أخرى، والمراد: تفرد واحد منهم، ومثاله حديث النسائي: «كلوا البلح بالتمر» .

قال الحاكم: هو من أفراد البصريين، عن المدنيين، تفرد به أبو زكير، عن هشام.

4- حديث تفرد به ثقة، حديث مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف، واقتربت الساعة» تفرد به ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد الليثي، ولم يروه أحد من الثقات غير ضمرة.[6]

والحديث الغريب (أو الفرد) منه الصحيح ومنه غير الصحيح وهو الغالب عليه، لذلك حذر المحدثون من تتبعها:

قال أحمد بن حنبل: "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء".

وقال مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس".

وقال عبد الرزاق: "كنا نرى أن غريب الحديث خير، فإذا هو شر".

وقال ابن المبارك: "العلم الذي يجيئك من هاهنا وهاهنا" يعني المشهور[7].

من مظانِّ وجود الغريب:

1- مسند البزار.

2- المعجم الأوسط، للطبراني.

ومن أشهر المصنفات فيه:

1- غرائب مالك، للدارقطني.

2- الأفراد، للدارقطني أيضا.

3- السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة، لأبي داود السجستاني.



[1] انظر: "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأبي العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي، (المتوفى: نحو 770 هـ)، مادة: غرب".

[2] انظر: "تتحقيق الرغبة ص 52"

[3] تيسير مصطلح الحديث ص38

[4] نزهة النظر ص65

[5] أخرجه البخاري (54) واللفظ له، ومسلم (1907)

[6] ورواه من غيرهم ابن لهيعة، وهو ضعيف عند الجمهور، عن خالد بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

[7] تدريب الراوي 2/634

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق